يا سيد السادات جئتك قاصدا ... أرجو رضاك وأحتمى بحماكا والله يا خير الخلائق إن لى ... قلبا مشوقا لا يروم سواكا وحق جاهك إننى بك مغرم ... والله يعلم إننى أهواكا أنت الذى لولاك ما خلق امرؤ ... كلا ولا خلق الورى لولاكا فى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشنا مع أروع كلمات المديح.. تلك التى استهل بها المطرب والمخرج ماهر محمود بصوته الشجى الأصيل، عرضه «كأنك تراه» على مسرح الطليعة بالعتبة.. ليصحبنا فى رحلة درامية روحانية بديعة مع أويس بن عامر القرنى أحد أهم أئمة التابعين الذين شهد لهم سيد الخلق بالصلاح والإيمان وبره بوالدته.. تكمن جاذبية العرض فى مخالفته لطبيعة عروض المديح المعتادة المناسبة للشهر الكريم، فقد وُفقت المؤلفة نسمة سمير فى أولى تجاربها والمخرج ماهر محمود فى صياغة رؤية درامية غنائية لتلك الشخصية التاريخية الإسلامية بحيث تتماس مع واقعنا المعاصر وتشتبك معه سعيا لاستعادة أخلاق رسول الله، ففى جلسة أشبه بجلسات الذكر والحضرة والإنشاد استقر الجمهور على جانبى مساحة التمثيل فى إحدى المناطق الأثرية بقلب القاهرة.. وبين مسجد وكنيسة يتم استدعاء روح التابعى الجليل أويس القرنى صاحب المقام الموجود داخل المسجد الذى تم تحريف اسمه لمسجد الشيخ عويس.. وببساطة وروحانية شديدة يظهر أويس ليتحاور مع رواد المكان مخرج الأفلام الوثائقية المسيحى والعسكرى المسئول عن حراسة المسجد والكنيسة ومع كافة الشخصيات الموجودة فى المكان وشريف ونهى الخطيبان وبائعة الكتب الفقيرة ورجل الأعمال المستغل.. ونعرف من الأحداث أن أويس هو صحابى يمنى جليل عاش فى زمن رسول الله وتحرق شوقا لرؤيته ولكن منعه بره بوالدته المريضة ففضل أن يبقى لخدمتها وبرها عملا بقول نبينا الكريم «أمك ثم أمك ثم أمك».. وحينما التقاه عمر بن الخطاب فيما بعد قال له: سمعت رسول الله يقول لصحابته: «يأتى عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فاستغفِر لى، فاستغفَر له.. وعلى تلك الخلفية التاريخية يبدأ الرجل فى تقويم مرتادى المكان، بعد أن يتعرض لمفارقات غريبة نتيجة اختلاف الزمن، فيكتشف تفشى الكذب والخداع والاستغلال وكل ما نهى عنه ديننا الحنيف، فيبدو الرجل كمن يرشد شخصيات تائهة حائرة، وفى كل مرة يذكرهم بما فعله النبى فى مواقف مشابهة وينصحهم قائلا: «استحضر رسول الله كأنك تراه»، ومع تصاعد الأحداث يواجهون جميعا ذلك الإرهابى الذى يحاول تفجير نفسه فى المكان ناشرا الفتنة فى المجتمع.. مرة بالحوار ومرات بكلمات الأغانى المؤثرة كتلك التى كتبها الشاعر محمد بهجت: الله أكبر من دعاة الزيف.. ومن عقولنا لو تدور بينا.. الله أكبر من اللى ماسك سيف.. لو حتى نصله فوق رقابينا.. وأخيرا بأغنية حماسية لحنها محمد عزت بحماس عنيف بدت كمن يطرد الجن والشياطين من أجساد تسكنها.. بينما يتضاءل هذا الإرهابى شيئا فشيئا ليختفى من المشهد، فالتلحين هنا هو أحد أبطال العمل بسبب تنوعه وملاءمته للمواقف المختلفة.. ولم يكن لهذا العرض الراقى أن يكتمل لولا جهد ممثليه، فقد جسد محمد يونس دور أويس القرنى بثبات انفعالى وبساطة لا متناهية مستحضرا تلك الشخصية الروحانية ومتأثرا بكلمات رسول الله فى المشاهد المختلفة حتى بلغت ذروتها فى المشهد الرائع الذى استخدم فيه المخرج تقنية المونتاج والتقطيع الصوتى بين الآذان بصوت سيدنا بلال ووصف أويس له.. بينما قدم سامح فكرى فى دور المخرج وأحمد عبد الهادى فى دور العسكرى دويتو تمثيلى كوميدى صارخ تفجرت قوته من المفارقة بين مهنة المخرج وجهل العسكرى البسيط بتلك الوظيفة فكان الجمهور ينتظر ظهور الأخير بشغف للاستمتاع بأدائه، والحقيقة أن أحمد عبد الهادى من الممثلين أصحاب الطاقات الأدائية المبهرة سواء على مستوى الكوميديا أو التراجيديا، الذين لم يستغلها المخرجون كما ينبغى حتى الآن.. بالإضافة إلى سلمى الديب التى لعبت بحيوية دور نهى الشغوفة بتسجيل كل ذكرياتها على السوشيال ميديا، ووليد الزرقانى لاعب دور الإرهابى شديد البطش، وكريم ادريانو رجل الأعمال، ويحسب للمخرج التقاطه لمجموعة شبابية رائعة تقف على المسرح لأول مرة لديهم مواهب تمثيلية وغنائية مبشرة بالخير مع كثرة التدريب بدءا من الطفلين انجى ايهاب وعمرو خالد وحتى الشباب ندى عاصم، لمياء عرابى، آية حسن، سليمان نور، علاء رضا، عبد الرحمن الزيات، محمد عبد العزيز، سارة مدحت وفيروز يونس.. ولا ننسى تصميم نهى نبيل للأزياء خاصة ملابس أويس القرنى المعتمدة على اللون الأخضر بدرجاته الموحية بروحانية ونقاء مرتديها.. ولا يمكن أن ننسى دور شادى سرور مدير مسرح الطليعة فى تبنى ودعم العرض على مدى السنوات الثلاث الماضية لضمان استمراريته وعرضه فى كل مناسبة فى مواجهة الإرهاب والسعى لنشر روح الحب والمعاملات الحسنة فى المجتمع حتى أنه لم يتردد فى تصميم إضاءة العرض حبا فيه.