بهذا العنوان: عنكبوت فى القلب، صدرت هذا العام للشاعر محمد أبو زيد عن الهيئة المصرية العامة للكتاب رواية هى ثانى أعماله فى مجال القص، فقد سبقتها رواية أولى صدرت عام 2010 بعنوان أثر النبى، بينما للكاتب ثمانية دواوين شعرية صدرت ما بين عامى 2003 و2015، إضافة لعمل شعرى للأطفال بعنوان نعناعة مريم (2005)، ومختارات شعرية بالفرنسية بعنوان قصيدة الخراب (2014). إذن محمد أبو زيد، بهذه الإحصائية، شاعر فى الأساس، لكنه ذو رؤى روائية. وعنكبوت فى القلب قصيدة عملاقة مُرَكَّبة من آلاف التفاصيل والمجازات والاستعارات والرموز. لماذا أقول قصيدة؟ لأن الموضوع حالة حُب، أقول حالة لا قصة حُب، فالحكاية بين العاشق والمعشوق سرعان ما تروغ من بين أيدينا ليتحول المحب فى نظر محبوبته إلى احتمال، ووجوده من عدمه محل نظر وشك. والشخصيات الرئيسية هى انقسامات لذات الشاعر العاشق مبدعة شعر الحب الغنائى، ليصير عندنا فى هذا التجلى الروائى لقصيدة الحب بطل الرواية بيبو ومؤلفها الوارد فى العمل باسمه محمد أبو زيد، بل إن المحبوبة ميرفت عبد العزيز تشبه عاشقها كثيراً فى سماتها الوجدانية لدرجة أنها بمعنى ما صيغة أنثوية لروحه، مع فارق جوهرى كما سنرى. أما باقى الشخصيات الرئيسية فهى رموز ومجازات وصور شعرية: مثل الببغاء تأبط شراً الذى يردد شعر التراث الكلاسيكى وبالتحديد المتنبى، والملاكان السيرياليان الملازمان لبيبو، ملاك الكتف اليمنى واسمه سامى، وملاك الكتف اليسرى واسمه مملوك، ومثل علاء الدين صاحب المصباح الذى تتداخل حكايته المعدلة مع حكاية بيبو وميرفت. ينقسم العمل لمقدمة وأربعة فصول. المقدمة تقدم لنا أهم الشخصيات الثانوية وهى الببغاء تأبط شراً، والملاكان الملازمان لروح البطل بيبو. فتسُوق لنا المقدمة حكاية سيريالية لجذور هؤلاء الثلاثة: فتأبط شراً على سبيل المثال شاعر صعلوك فاتك من جاهلية الصحراء العربية، وقد تحول بقدرة قادر إلى ببغاء أليف فى صحبة الفتى، والملاك الأيسر مملوك هارب من مذبحة القلعة، أما سامى الملازم كتف بيبو اليمنى فملاك قاهرى معاصر من سكان مقابر حى البساتين. ثم يحكى لنا الفصل الأول، وعنوانه فتى، قصة الحب بين بيبو وميرفت من وجهة نظر الفتى بيبو، ولكننا نفاجأ فى الفصل الثانى بعنوان فتاة بالحكاية وقد اختلفت كثيراً عما عرفناه فى الفصل الأول بل لم تعد هناك حكاية تقريباً فيما يخص العلاقة بين بيبو وميرفت، إذ لا يتجاوز الأمر من وجهة نظر ميرفت أن الفتى أثار انتباهها لفترة، وبحثت عنه لساعات، لكنّ اللقاءات بينهما التى أوردها بيبو فى الفصل الأول الذى يخصه لم تذكرها ميرفت على الإطلاق فى فصلها. فرغم التشابه الكبير بينهما فى أنهما شخصيتان انطوائيتان تحبان العيش على هامش الحياة وتكرهان التورط فيها، إلا أن بيبو فى قماشته الروحية رومانسى، تجبره رومانسيته وقدره على التورط عاطفياً فى عشق ميرفت، بينما المحبوبة عقلانية لا يهزها الحب بما يكفى للخروج من شرنقة الذات فتظل غائصة فيها. وأما بطل الفصل الثالث، بعنوان مؤلف، فهو محمد أبو زيد نفسه، الذى يعترف لنا بأن ميرفت عبد العزيز هاجس يسكنه ويسكن أعماله منذ ديوانه الثانى قوم جلوس حولهم ماء (شرقيات2006). ولم يتسنّ لى الوقت أو تتوافر النصوص لدراسة كيف تطوَّرت هذه الشخصية الروائية عبر دواوين محمد أبو زيد الشعرية حتى سكنت هذه الرواية. لكنها هنا فى عنكبوت فى القلب فتاة تهوى تربية العناكب، وتفتنها أنثى العنكبوت السوداء السامة كما شاهدتها فى السينما، وكذلك الرجل العنكبوت، وهى عموماً، أى ميرفت، شخصية، غريبة الأطوار كان من سوء حظ بيبو أن يعشقها.. كما سنرى معاً فى السطور القادمة إن شاء الله. لمزيد من مقالات بهاء جاهين