قد لا نكون بحاجة إلى الإطالة فى بيان ما وصلت إليه، وما يتوقع أن تصل إليه هذه التكنولوجيا من تقدم وإمكانات، وما تحققه كل يوم، بل كل لحظة من اختراعات وابتكارات تفوق الخيال. وهذا ما يؤكده واقع ومعطيات هذه التكنولوجيا كما يؤكده العلماء والخبراء والمتخصصون من خلال الإشارة إلى بعض الابتكارات والاختراعات. وفى القلب منها, على سبيل المثال، شبكة الإنترنت التى توصف بشبكة الشبكات، ذات الفضاء المعلوماتى اللامتناهي، ودائم الاتساع إنها الغابة الكثيفة التى تخزن وتستقبل جميع أنواع المعلومات فى شتى الفروع، وفى مختلف جوانب الحياة، من الفلسفة إلى الأحداث الرياضية والمعاملات التجارية، من صناعة السلاح إلى معارض الفن، من الهندسة الوراثية إلى الحرف اليدوية. إن الإنترنت يشكل أعظم فيضان معلوماتى لم تشهد له البشرية من قبل مثيلا، فمن خلاله تنتقل إلى الفرد فى أى بقعة من العالم نبضات الحياة اليومية وتجعله حاضراً، دون حضور مادى حقيقي، المؤتمرات والندوات، وفيها تعقد الصفقات وتحاك المؤامرات، وترتكب جرائم المافيا، وسرقة الأموال والأفكار، ومن خلالها أيضا ترتكب الفضائح، وتشوه سمعة الأبرياء، والقيم والأخلاق، ويتم من خلالها نشر الآفة المدمرة وهى الشائعات التى لا يقتصر خطرها على الأفراد وإنما على الأمة وأمنها القومي. لكن وفى الوقت نفسه لا يمكن إنكار الأبعاد الإيجابية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإذا كانت تحمل الجوانب والأبعاد السلبية والشريرة، فهى أيضا تحمل الجوانب الإيجابية والخيرة، والعبرة بمن يستطيع توظيفها، والمشاركة فى احتلال أكبر مساحة من امبراطوريتها التى لا تغيب عنها شمس نهار، أو ظلمة ليل، على حد توصيف كبار المحللين وخبراء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. باختصار: عشرات المنظومات التكنولوجية الفائقة التقدم، وكلها بخيرها وشرها تندفع وبقوة صوب المنزل، ابتداء من الهاتف الثابت، إلى المحمول، النقال، ومروراً بالكمبيوتر وألعاب الفيديو، وشاشات التلفاز وانتهاء بالانترنت والأقمار الصناعية، فجميعها تستهدف القاعدة العريضة من جمهور المشاهدين، الذين يتم اختراقهم، اقتحام خصوصياتهم دونما حاجة إلى استئذان، أو إمكانية المقاومة إلا من خلال الإرادة القوية. ومن هنا تأتى أهمية، وضرورة إثارة الوعى بتكنولوجيا المعلومات بسلبياتها وإيجابياتها من خلال القدرة على ادراك حقائق الأمور، الوسائل والأساليب القادرة على كشف عمليات الخداع والتزييف، والصدق والحقيقة، وهذا يلقى بالمسئولية على كل الهيئات والمؤسسات وعلى كل المستويات. فالقضية أخطر مما نتصور، وتوجب الحسم والمواجهة، وكيفية التعامل مع فكر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتجنب سلبياتها، والإفادة من ايجابياتها، خاصة أنه مهما يصل تقدمها فإنها ليست إلا مجرد خامة جامدة، لا تحمل فى ذاتها خيراً أو شراً بينما هى مادة متعادلة القيمة، والبشر وحدهم هم الذين يجعلونها خيرة أو شريرة، ومن ثم علينا توظيفها فى الخير والبناء، لا الشر والتدمير، وهذه مسئولية كل مؤسسات المجتمع المعنية ببناء الانسان، وتشكيل وعيه، وفى القلب منها الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية. لمزيد من مقالات د.محمد سكران