قيل عن هذا العام إنه متميز جذريا عن أعوام القرن العشرين ب لحظة تاريخية انتقل فيها الانسان من السكن في الأرض إلي السكن في السماء عندما هبطت علي سطح القمر مركبة فضائية في فجر يوم الاثنين 11 يوليو ونزل منها فضائي أمريكي اسمه نيل آرمسترونج (1920-2012) وأمضي ساعتين ونصف الساعة علي سطح القمر يجمع العينات ويجري التجارب. وقبل المغادرة قال عبارته المشهورة إنها خطوة صغيرة لإنسان ولكنها قفزة عملاقة للبشرية. وقد يقال ردا علي رأيي إن عام 1969 متميز جذريا بأن الاتحاد السوفييتي قد أطلق أول قمر صناعي سبوتنك 1 في عام 1957 ثم أطلق أول حيوان يحلق في الفضاء وكذلك أول انسان وهو يوري جاجارين في عام 1961 وأول امرأة وهي فلنتينا ترشكوفا في عام. 1963 إلا أنه يمكن الرد أيضا بأن مسألة التميز تكمن في السكن ولو لبضع ساعات في أحد الكواكب وهو القمر. وبفضل هذا السكن يمكن معرفة تاريخ نشأة القمر, وعما اذا كان في الأصل جزءا من كوكب الأرض, وعما اذا كان الكوكبان في الأصل جزءا من الشمس. ومن هنا اتجهت الرحلات الفضائية إلي كواكب أخري الأمر الذي أفضي إلي التقدم في فهم الكون كما أفضي إلي مجاوزة انفراد الفيزياء النووية بالبحث في مكونات الذرة, إذ دخلت في وحدة مع علم الكيمياء كما أنها دخلت في وحدة مع علم الفلك. ومن شأن هذه الوحدة الاسهام في الكشف عن نشأة السماء أو بالأدق نشأة الكون وكيفية تطوره. واذا حدث ذلك تكون البشرية بصدد كتابة سفر تكوين جديد مع الاحتفاظ بالتقدير اللازم ل سفر تكوين العهد القديم. ولا أدل علي ذلك من محاولة العلماء محاكاة الظروف التي أحاطت بما يسمي ب الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون. وقد تكلفت منشأة المحاكاة 982 بليون دولار, وهي تقع تحت الأرض في منطقة الحدود الفرنسية السويسرية المشتركة. ومع ذلك أثير سؤال ظل بلا جواب وهو علي النحو الآتي: اذا كان الانفجار العظيم في بدايته عبارة عن جسيمات نووية, أي جزيئات أولية فما هو أصل هذه الجسيمات؟ انشغل بالبحث عن هذا السؤال العالم البريطاني بيتر هيجز, إذ وضع فرضا في عام 1961 مفاده أن ثمة أصلا لتلك الجسيمات, وأن هذا الأصل هو السبب في تصادمها الأمر الذي أدي إلي توليد جسيمات أخري. وفي 4 يوليو 2012 نجح هيجز في اكتشاف ذلك الأصل أو ذلك الجسيم الذي سمي جسيم هيجز والذي صدر عنه بيان من المؤسسة الأوروبية للأبحاث النووية بسويسرا (سيرن). والمفارقة هنا أن أحد رجال الأعمال الذي كان محاضرا باحدي الجامعات الانجليزية ويدعي جيم باجوت كان قد انشغل بتأليف كتاب منذ يونيو 2010 عن الجسيم المزمع اكتشافه ثم صدر هذا الكتاب بعد اكتشاف جسيم هيجز في يوليو من هذا العام وعلي غلافه هذا العنوان اختراع واكتشاف الجسيم الله وتحته اسم العالم هيجز. وأظن أن الجسيم الله هو من قبيل المجاز ليس إلا. والجدير بالتنويه هاهنا أن هذا الاكتشاف كان يراود الفلاسفة الطبيعيين الأوائل في اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد عندما أثاروا ثلاث أفكار أساسية: أن يكون للأشياء أصل وأن يكون هذا الأصل معقولا, وأن يكون وسيلة إلي فهم الكون. وأظن أن أفضل هؤلاء الفلاسفة الطبيعيين هو ديموقريطس لأنه هو الذي فطن إلي أن الذرات هي أصل الأشياء لأنها تتحرك من تلقاء ذاتها ولم تكن في حاجة إلي سبب آخر ليحركها من أجل خلق الكون. وأظن أيضا أن نظرية ديموقريطس الذرية هي الحافز الذي أفضي إلي البحث في مكونات الذرة مع بداية القرن العشرين والتي انتهت إلي بزوغ مفهوم الجسيم الذي أفضي بعد ذلك إلي الجسيم الله. ويبقي بعد ذلك سؤال: ما الدافع وراء هذا المسار العلمي من ديموقريطس حتي هيجز؟ إزالة اغتراب الإنسان عن الكون. والمفارقة بعد ذلك هو أن مصر احتفلت في2 سبتمبر, أي بعد شهرين من اعلان الاكتشاف الثوري لهيجز, بهبوط أول مذيعة محجبة للمرة الأولي علي سطح التليفزيون المصري. المزيد من مقالات مراد وهبة