كشفت قضية فرقة' بوسي رايوت' النسائية الغنائية عن تورط الصحافة العربية وسقوطها في شرك الحملات الدعائية الغربية دون إدراك من جانبها لحقائق الموقف ومفردات القضية التي انبرت للدفاع عنها. وكانت أقلام عربية ومصرية كثيرة انساقت وراء أجهزة الإعلام الغربية دفاعا عن حرية فتيات يحفل ماضيهن بالكثير من الوقائع الصارخة المشينة التي حاولن من خلالها لفت الانظار, وإن تسترن وراء شعارات سياسية تنادي بالثورة وتطالب برحيل بوتين وإطلاق الحريات. تباينت المواقف في موسكو تجاه قضية فتيات بوسي رايوت بين مؤيد للحكم الذي اصدرته المحكمة بسجنهن لعامين, وبين اعتبارهن مجرد خارجات علي القانون كان ينبغي عدم الالتفات اليهن بالقدر الذي يجعلهنبطلات وسجينات رأي في نظر الكثيرين. وكانت الفتيات اقتحمن مقر الكنيسة الارثوذكسية في قلب العاصمة غير بعيد عن الكرملين, بأزيائهن المزركشة وأقنعتهن القريبة من أقنعة فناني مسرح العرائس ليرددن علي وقع الموسيقي الصاخبة, كلمات اغنية تدين النظام وتتضرع الي السيدة مريم العذراء طلبا لرحيل بوتين وسط ذهول المصلين وارتباك القائمين علي شئون الكنيسة وأمنها. بينما نجح البعض من خصوم النظام في استغلال عملية القبض علي ثلاث من فتيات الفرقة ومحاكمتهن, فرصة لتصفية حسابات شخصية مع الكرملين, تلقفت الدوائر الغربية الحادث لتسارع الي ادراجه ضمن قوائم جرائم الرأي وقمع الحريات في روسيا. ومن اللافت بهذا الصدد سقوط الكثير من وسائل الاعلام العربية ومنها المصرية في شرك تلك الضجة التي ترامت اصداؤها في مختلف الارجاء معلنة عن استمرار الحملة كاملة العدد تصفية لحسابات شخصية مع بوتين من جانب العديد من الاوساط الروسية المعارضة التي تحظي بدعم واسع من جانب الدوائر الغربية ومنظمات حقوق الانسان. حدث ذلك دون التمعن في جوهر توجهات هذه الفرقة الغنائية المغمورة, وهي التي دأبت علي ارتكاب الاعمال الفاضحة في الاماكن العامة سبيلا الي لفت الانظار. ويذكر المراقبون ظهور فتيات الفرقة عرايا في احد متاحف العاصمة الروسية في فبراير2008 ليمارسن افعالا فاضحة يعاقب عليها القانون, حرصن علي تصويرها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي, والعودة الي تكرار مثلها في مواقع متفرقة لجذب الانظار الي ما اعتبرنه ثورة علي النظام. وبعض اقتحامهن للكنيسة الأرثوزكسية حرصت الفتيات كعادتهن, علي تصوير الفعلة الفضيحة وبثها عبر شبكات الانترنت مع تعليقات تتهم فيها الكنيسة بالابتعاد عن الدين وممالأة السلطة والتعاون مع اجهزة الأمن. ومن المضحك المبكي في آن, تناقل البعض لما قالته لمجلة دير شبيجل الالمانية ناديجدا تولوكونيكوفا احدي بطلات الفرقة التي مارست مع زوجها وزميلاتها الفعل الفاضح في المتحف البيولوجي بموسكو, وكانت حاملا في شهرها الاخير, حول ان أباها قاطعها لمدة شهرين, لا لشئ الا لانه كان يريد ان يكون بين الحضور لمتابعة ما اعتبرته شكلا من اشكال' الثورة', و'نوعا من الفن الحديث, فضلا عن كونه انتقاما شخصيا من بوتين!. وبغض النظر عن عبثية مثل تلك التصريحات والتوجهات, وكذلك عما يقال بشأن علاقة الكنيسة الارثوذكسية بالكرملين, فقد رأي الكثيرون من العقلاء فيما قامت به فتيات بوسي رايوت استفزازا لمشاعر المؤمنين من المسيحيين والمسلمين في روسيا علي حد سواء الي جانب اثارة ممثلي الاوساط الاجتماعية ممن راحوا يستدعون ما سبق وأعقب نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم من احتجاجات عارمة وما صاحب ذلك من تهديدات من جانب ممثلي الاوساط الاسلامية. وظهر من يقول أن الأوساط الدينية الإسلامية واليهودية لم تكن لتقبل مثل هذه الأفعال لو ارتكبت مثل هذه الفتيات مثل هذه الفاحشة علي مقربة من حائط المبكي أو المقدسات الإسلامية, فضلا عن انها تبدو اكثر من يتفهم مدي الاساءة التي لحقت بالملايين من أبناء العقيدة المسيحية. ورغما عن ذلك ظهر من يقول بخطأ الاهتمام بهذه الفرقة التي نجحت الاوساط المعارضة والدوائر الغربية في استغلال محاكمة اعضائها لخدمة مآرب ذاتية في معركتها مع النظام القائم في روسيا. ولم يكن الحادث سوي حلقة من حلقات تصعيد المعارضة لتحركاتها ونشاطها احتجاجا ضد النظام ومحاولة من جانبها للفت الانظار لاستدرار تعاطف الدوائر الخارجية التي تلقفت الحادث لتضفي عليه غير ما يستحق من اهمية.علي ان هناك من يحاول ورغم اعتراضه علي جوهر الفعلة الجريمة من جانب فتيات بوسي رايوت التي كانت تحمل في السابق اسم فوينا( الحرب), الاستفادة من الضجة المعادية للنظام للترويج لما تطرحه من أهداف وترفعه من شعارات تنادي بالاطاحة بالنظام القائم والتخلص من بوتين. ولعله من اللافت في هذا الصدد وفي مثل هذا التوقيت اعلان الكرملين عن قراره حول تكليف نائب رئيس الحكومة الروسية فلاديسلاف سوركوف الذي طالما عرف تحت اسم كاردينال الكرملين منذ بداية عمله إلي جوار للرئيس فلاديمير بوتين في عام2000, بمسئولية الاتصالات مع المنظمات الدينية والاجتماعية. وقد اعتبر كثيرون من المراقبين ان تكليف سوركوف الشيشاني الأب وكان اسمه السابق إسلام بك دودايف بهذه المهمة, يعكس مدي حاجة الكرملين إلي قدرات خاصة تتفق مع الهدف الرئيسي من إنشاء لجنة الاتصال مع المنظمات الدينية التي تقف في صدارة مهامها مواجهة التطرف الديني وتصفية السلبيات التي بدأت تشوب وضعية الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في السنوات الاخيرة حسب تقديرات صحيفة كوميرسانت التي اشارت إلي همهمات الكثيرين وتذمرهم تجاه ما يقال حول علاقتها بالكرملين والسلطات المدنية. وكان سوركوف اضطلع بهذه المهمة خلال سنوات عمله السابقة نائبا لرئيس ديوان الكرملين مما يعني محاولة الاستفادة من خبراته لتنقية الأجواء وانقاذ ما يمكن انقاذه.