لم يفاجأ العرب بتغريدة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يوم 20مارس الحالى على حسابه على موقع تويتر والتى كتب فيها «بعد 52 عاماً، حان الوقت لاعتراف الولاياتالمتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التى لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمى»، حيث كانت نيكى هيلى، مندوبة الولاياتالمتحدة المنتهية ولايتها قد صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16نوفمبر من عام 2018 والذى أقر بالأغلبية بسيادة سوريا على الجولان المحتل، واعتبار كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلى فيه باطلة ولاغية «موافقة 151 دولة بينما اعترضت عليه الولاياتالمتحدة وإسرائيل فقط وامتنعت 14 دولة عن التصويت»، وهى ليست المرة الأولى، التى تتخذ فيها إدارة ترامب اليمينية قرارات تتناقض مع قواعد الشرعية الدولية، فقد سبق أن اتخذت قرارات بشأن القدس، وأخرى ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، إلا أن التوجه الحالى للإدارة الأمريكية ضد الجولان السورى يعد الأول من نوعه، بدعوى أن النظام السورى نظام فاشل، ولا يؤتمن على حكم الشعب السورى، ومن ثم معاقبة نظام بشار الأسد، بالموافقة على مطالب المسئولين الإسرائيليين التى أعلنت خلال الشهور الأخيرة رغبتها بفرض سيادتها على الجولان، ورفضها إعادتها للسيادة السورية تحت ذريعة «حماية الأمن الإسرائيلى» والذى يصب فى المحصلة النهائية مع التوجهات الأمريكية الإسرائيلية الماضية قدما لبناء الشرق الأوسط الجديد، وكان السفير الأمريكى فى إسرائيل «ديفيد فريدمان» قد صرح فى سبتمبر الماضى بأنه يتوقع أن تحتفظ إسرائيل بهضبة الجولان إلى الأبد . وتشكل هضبة الجولان منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا مساحتها نحو 1176 كيلو مترا مربعا. واحتلت إسرائيل معظم الهضبة من سوريا فى حرب عام 1967، حيث اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلى قراراً فى الرابع عشر من ديسمبر 1981 بضم الجولان وتطبيق القانون الإسرائيلى عليه، إلا أن مجلس الأمن الدولى اتخذ بعد ثلاثة أيام من الإجراء الإسرائيلى، القرار رقم 497 الذى يؤكد بطلان جميع الإجراءات والتدابير الإسرائيلية لتغيير طابع الجولان السورى المحتل، وقد أخفقت إسرائيل فى كسب تأييد القرى الدرزية الأربع بالهضبة «بقعاته - عين قينية - مسعدة مجدل شمس» للانضمام للنظام السياسى والإدارى الإسرائيلي، حيث رفض أبناء الجولان السورى المحتل كل محاولات الاحتلال الإسرائيلى لتهويد الجولان، وآخرها إفشالهم انتخابات المجالس المحلية فى 30/10 / 2018. ولاشك فإن موقف ترامب يمثل هدية مجانية لرئيس الوزراء الإسرائيلى حيث سيصب فى مصلحة حملة «بنيامين نيتانياهو» الانتخابية، الذى دعا الولاياتالمتحدة فى 24/8/2018 للاعتراف بسيادة «إسرائيل» على هضبة الجولان المحتل بدعوى أن الأولوية بالنسبة لإسرائيل والولاياتالمتحدة هى إخراج القوات الإيرانية وجماعة حزب الله اللبنانية التى تدعمها طهران من سوريا، وقد أشار وزير المخابرات الإسرائيلى إلى أن اعتراف الولاياتالمتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان قد يحدث خلال شهور، فى حين أكد نيتانياهو خلال مؤتمر صحفى مشترك مع وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى القدس يوم 20/3/2019 مواصلة إسرائيل بذل الجهود الضرورية ضد محاولات إيران للتحصن عسكريا ونشر أسلحة فى سوريا، بالتوازى مع تعبير بومبيو عن التزام الولاياتالمتحدة بأمن إسرائيل ودعمها حقها فى الدفاع عن نفسها، مشيرا إلى أن واشنطن قدمت مساعدات أمنية بقيمة 3.8 مليار دولار سنويا بموجب اتفاقية الدفاع الموقعة فى عام 2016، لاسيما وأن التعاون الاسرائيلى الأمريكى سيكون على رأس أولويات الاجتماع الذى سيعقد بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وبنيامين نيتانياهو فى البيت الأبيض يومى 25 و26 مارس الحالي، لبحث المصالح المشتركة للبلدين والوضع فى الشرق الأوسط، الأمر الذى سيستغله «نيتانياهو» فى المزايدة على مواقف قيادات اليمين المتطرف سواء المشاركة بالائتلاف الحكومى أو خارجه، لتأكيد تمسكه بمواقفه اليمينية المتشددة واعتباره الجولان جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل، تحسباً من المخاطر والتهديدات التى يمثلها الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا وتغليبه نظرية الأمن الإسرائيلية فى ظل انتشار عناصر حزب الله وقوات الحرس الثورى الإيرانى فى المنطقة الجنوبية القريبة من هضبة الجولان. ورغم قناعة الحكومة الإسرائيلية بمحدودية قدرتها على تمرير هذا الإجراء على المستوى الدولي، فإن «نيتانياهو» سيحاول خلال زيارته السريعة لواشنطن لاستثارة الاهتمام الأمريكى بالمخاطر الأمنية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، والعمل على تقليص فرص استغلال إيران لوجود تنظيمات شبه عسكرية موالية لها على الساحة السورية لفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، فضلاً عن محاولة عرقلة صفقة تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوى الروسية «S 300»، والتحذير من مساعى موسكو لاستعادة نفوذها فى الشرق الأوسط، نتيجة تراجع الدور الأمريكي، ومن ثم دفع الإدارة الامريكية لاستغلال حالة الضعف التى تتسم بها الأوضاع على الساحة العربية والخلل الواضح فى موازين القوى بين الجانبين للتغول على الحقوق العربية، مع انتهاج سياسة التسويف والمماطلة للحيلولة دون تقديم تنازلات جوهرية لدفع عملية السلام، واستغلال عامل الوقت لفرض أمر واقع جديد على الأرض يصعب تغييره فى أى تسوية محتملة مع الجانب العربى. وفى التقدير إسهام معطيات الأوضاع السائدة حالياً بالمنطقة فى تعزيز فرص قيام الإدارة الأمريكية بطرح مبادرتها للتسوية والمعروفة إعلامياً بصفقة القرن، الأمر الذى جعل من نتائج الانتخابات الإسرائيلية التى يتم إجراؤها فى التاسع من أبريل المقبل عنصراً حاكماً فى التحركات الأمريكية المقبلة، التى ينتظر أن تتعرض فيها كل من مصر والأردن لضغوط عديدة للتجاوب مع الطرح الأمريكى الذى ينحاز لوجهة النظر الإسرائيلية فى التسوية، الأمر الذى يتطلب مسارعة الدول العربية لبلورة موقف عربى موحد داعم لعقد مؤتمر دولى للسلام على أساس مبادرة السلام العربية، التى أرى أنها مازالت تمثل الخيار الاستراتيجى الوحيد المتفق عليه فى النظام الإقليمى العربى، مع حشد التأييد الدولى لتحريك حالة الجمود المسيطرة على عملية السلام، والاستفادة من تراجع مصداقية الراعى الأمريكى لعملية السلام لإحياء المطالب العربية بالانسحاب الإسرائيلى من كل الأراضى العربية المحتلة فى 5 يونيو 1967، وإعادة النظر فى موقف جامعة الدول العربية من استبعاد سوريا من النظام الإقليمى. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود