قيام حكومة موريتانيا بتسليم عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الليبية في عهد القذافي لليبيا, وضع الحكومة المصرية تحت وطأة ضغوط أكبر للاستجابة لمطالب القيادة الليبية الجديدة بتسليم أعوان القذافي, وتجميد أموال كل من كانت له علاقة بنظامه في مصر. وبرغم اختلاف الوضع نسبيا بين حالة السنوسي المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق مدنيين ليبيين, والمتهم من السلطات الموريتانية بدخول البلاد بأوراق سفر مزورة, وحالة الليبيين في مصر, سواء كانوا أقارب للقذافي, أو من أعوانه, إلا أن مصلحة القاهرة تقتضي التحرك بجدية للبت في المطلب الليبي, وهو ما فهمته نواكشوط فتجاوبت مع مطالب طرابلس. تسليم السنوسي تم بقرار من محكمة موريتانية, وصدق عليه رئيس الدولة, بينما في مصر لم يتم تقديم أحد من المطلوبين للمحاكمة, وبالتالي لم يصدر أي حكم بشأنه, وبناء عليه لا يمكن تسليمه أو مصادرة ممتلكاته لأن في ذلك مخالفة للقانون المصري, فلابد أن يصدر بشأنه حكم قضائي نهائي وعادل من المحاكم الليبية المختصة, ولا يمكن تجميد ممتلكاته في مصر إلا بقرار من النائب العام المصري, أو بحكم محكمة استئناف القاهرة, وحتي يتم ذلك ستبقي العلاقات المصرية الليبية باردة, والتعاون الاقتصادي والأمني خاملا, وحقوق أكثر من 850 ألف عامل مصري مازالوا في ليبيا بعد الثورة معرضة للخطر, سواء بحرمانهم منها, أو الاستغناء عن عملهم, في الوقت الذي تسعي فيه القاهرة للفوز بنصيب عادل من كعكة إعادة إعمار ما خربته الحرب هناك, وتنفيذ وعود باستقبال 1.5 مليون عامل إضافي مصري إذا سلمت رموز القذافي حسبما قالت مصادر ليبية مطلعة. تعمل في مصر وفقا لإحصائية صدرت في نوفمبر 2009 نحو 324 شركة يسهم ليبيون بالنصيب الأكبر في رأسمالها, وتعمل في مجالات السياحة, والزراعة, والصناعة, والاتصالات, والإنشاءات, والخدمات, وقدر المجلس الوطني الليبي حجم أموال رموز نظام القذافي في مصر بنحو 11.6 مليار دولار. وفضلا عن انخفاض حجم العمالة المصرية من مليون و300 ألف قبل الثورة, حسب تصريح لوزير القوي العاملة السابق أحمد البرعي, إلي 850 ألفا فقط بعدها, نجد أن قيمة الصادرات المصرية انخفضت من 1.2 مليار دولار عام 2010, إلي 350 مليونا فقط عام 2011, ومن المتوقع عدم حدوث أي تحسن قبل حسم مسألة أعوان القذافي بالقضاء أو بقرار سياسي. صحيح أنه ليس سهلا علي مصر أن تتخلي بسهولة عن الاستثمارات الكبيرة فيها في وقت تحاول فيه بكل السبل جذب استثمارات جديدة لدعم الاقتصاد, لكن مصلحة نحو مليون عامل مصري في ليبيا وحقوق المستثمرين والشركات المصرية بمئات الملايين من الدولارات, هناك, وأمن مصر علي الحدود الطويلة مع ليبيا كلها تقتضي التحرك بسرعة من جانب القاهرة لاحتواء الخلاف, وإقناع المسئولين الليبيين بضرورة تطبيق الإجراءات القانونية اللازمة, كما يتطلب الأمر الإسراع باتخاذ قرار سياسي مصري بشأن أعوان القذافي الذين قد يكون لهم دور بشكل أو آخر في نهب أموال الدولة الليبية, أو ارتكاب أعمال يعاقب عليها القانون, فمثل هؤلاء لا يستحقون الحماية مهما يكن حجم أموالهم, وربما تصبح إعادتهم لمحاكمتهم في بلادهم بادرة حسن نية للحكومة الليبية من جانبنا بعد اتخاذ الضمانات التي يكفلها القانونين المصري والدولي لمحاكمة عادلة لهم. في الوقت نفسه علي السلطات الليبية أن تقدم إلي القضاء المصري ما يثبت عدم شرعية الاستيلاء علي الأموال التي تطالب بإعادتها وارتكاب أصحابها مخالفات قانونيا بشأنها حتي تتجاوب السلطات المصرية معها في مطالبها, أما تجميد مصالح شعبين شقيقين بسبب سوء فهم, أو عدم جدية في التحرك من جانب القاهرة أو طرابلس, فهو أمر غير مقبول لأن العواقب السيئة ستعود علي الطرفين معا, فماذا لو سمحت القاهرة بنشاط لاتباع نظام القذافي انطلاقا من مصر انتقاما لأي تصرف غير مقبول من مسئولين في طرابلس؟ المزيد من مقالات عطيه عيسوى