سوف تواصل مصر فى ظل رئاستها الاتحاد الافريقى جهودها فى مساندة قضايا السلام والأمن والاستقرار والتنمية فى القارة الإفريقية. ويشهد التاريخ على الدور المهم الذى لعبته مصر عبر السنوات فى المحافل الدولية دفاعا عن القضايا الافريقية مستندة فى ذلك الى أحكام القانون الدولى ومتمسكة بمبادئ ميثاق الأممالمتحدة وأهدافه السامية. وقد شاركت مصر منذ نشأة المنظمة العالمية من خلال عضويتها فى المجموعة الإفريقية فى جميع المؤتمرات الدولية وأجهزة الأممالمتحدة ولجانها المعنية بالقانون الدولي، فأسهمت مع الدول الإفريقية الشقيقة فى تطوير القانون الدولى وتقنينه بما يتماشى مع مصالح الدول النامية، خاصة أن تقنين القانون الدولى كان فى الماضى حكرا على الدول الاوروبية مما عكس أراءها وتوجهاتها. وفى هذا السياق نجحت الدول الافريقية فى ترسيخ مفاهيم قانونية متطورة كالحق فى التنمية وحق تقرير المصير وسيادة الدولة على مواردها والتراث المشترك للإنسانية والمنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة، وحماية حقوق الإنسان دون تفرقة او تمييز، والعدالة والمساواة فى تطبيق القانون الدولى الاقتصادى فى ظل العولمة, وجميعها تمثل مبادئ ومفاهيم أصبحت مطبقة وسارية فى العلاقات الدولية. وتلعب مصر مع الدول الإفريقية دورا نشيطا فى أعمال المنظمة القانونية الاستشارية الافروآسيوية التى شاركت مصر فى تأسيسها بهدف دعم التعاون وتوحيد مواقف الدول الإفريقية والآسيوية من القضايا القانونية الدولية. وخلال الدورة السنوية للمنظمة التى انعقدت فى طوكيو باليابان أخيرا، والتى تمت دعوتى اليها ممثلا للجنة الأممالمتحدة للقانون الدولي، أدانت الدول المشاركة انتهاكات القانون الدولى من قبل اسرائيل فى الاراضى الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك استمرار احتلالها غير الشرعى وخرقها حقوق الإنسان الفلسطينى وضمها الاراضى بالقوة وإقامة المستوطنات والطرد الجامعى للسكان مما يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الانسانى والقانون الدولي. كما تناول المشاركون بحث موضوع القانون الدولى فى الفضاء السيبرانى وهو موضوع ذات أهمية معاصرة، وأيدوا اقتراح إعداد إعلان حول مبادئ القانون الدولى المطبقة بشأنه ووضع قواعد لمكافحة الجرائم المرتكبة فى إطاره ومنها الإرهاب. وتطرق الاجتماع الى موضوع قانون التجارة الدولية، مشيرا الى منطقة التجارة الحرة الإفريقية المزمع تنفيذها هذا العام بعد تصديق 49 دولة على الاتفاقية، مع التأكيد أنه يتعين على اتفاقات التجارة الإقليمية أن تنفذ وتكمل نظام التجارة المتعددة الاطراف الذى وضعته منظمة التجارة العالمية وليس أن تتعارض معه, كما قام الاجتماع باستعراض نشاط المحكمة الجنائية الدولية مع إبراز نجاحاتها وإخفاقاتها وذلك بمناسبة الاحتفال بعشرين عاما على تأسيسها، وكان عدد كبير من الدول الإفريقية قد انضم الى نظامها الاساسى إلا أن خلافا نشب بين تلك الدول والمحكمة حينما نظرت قضايا أغلبها خاصة بإفريقيا مع إحالة مجلس الأمن اليها جرائم ليبيا ودارفور دون غيرها، ثم اصدار المحكمة قرار القبض على الرئيس عمر البشير، وفى مواجهة ذلك قامت الدول الإفريقية بإيجاد آلية بديلة للمحكمة الجنائية هى المحكمة الإفريقية للعدل وحقوق الانسان التى لا تمتد اختصاصاتها الى رؤساء الدول وكبار المسئولين الحكوميين اثناء ولايتهم، وهو مبدأ أقرته قمة إفريقية طارئة لاحقا. وقد تبنت مواثيق الاتحاد الإفريقى والاتفاقات المعقودة فى اطاره كل المبادئ والمفاهيم القانونية التى تم إقرارها دوليا بمشاركة افريقية، بل قامت بتطويرها وتحديثها بما يتلاءم مع المفهوم والواقع الافريقي. وأكد ميثاق الاتحاد الافريقى مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، ومع ذلك أجاز حق التدخل الجماعى فى شئون دولة حينما توجد ظروف خطيرة ناجمة عن ارتكاب جرائم حرب أو ابادة جماعية أو جرائم ضد الانسانية. ويرمى هذا الحق الى تأكيد المسئولية الافريقية المشتركة للتدخل من أجل حماية الأهالى الذين يتعرضون لخطر جسيم كما حدث فى الابادة الجماعية فى رواندا. وتضمنت اتفاقية الاتحاد الافريقى لمكافحة الارهاب لعام 1999 آليات التعاون الافريقى فى مكافحة تلك الظاهرة مما تم تعزيزه بإنشاء مركز الجزائر لمكافحة الارهاب ثم تبلور فى التدخل العسكرى الافريقى فى الصومال فى مواجهة ارهاب تنظيم الشباب. أما الميثاق الافريقى حول حقوق الإنسان فقد أكد حقوق الشعوب حينما تضمن النص حقوقا جماعية الى جانب الحقوق الفردية، كالحق فى السلم والأمن والحق فى التنمية وحق التصرف فى المواد الطبيعية والحق فى بيئة ملائمة. من جانب آخر نص الميثاق على واجبات الانسان فى مقابل حقوقه حيث اعتبر أن تلك الحقوق غير مطلقة بل مرتبطة بتأدية واجباته، وهو مفهوم متطور وعادل. وأعاد ميثاق الاتحاد الإفريقى تأكيد أهمية حق الشعوب فى تقرير المصير، وقد استندت الى ذلك محكمة العدل الدولية فى رأيها الاستشارى حول كل من ناميبيا والصحراء الغربية. كما أكد الميثاق مبدأ عدم جواز استخدام القوة لتغيير الحدود القائمة إبان حصول الدول على الاستقلال وذلك بغية الحفاظ على السلام والاستقرار بين الدول، وهو ما استندت اليه محكمة العدل الدولية فى نزاعات الحدود بين بوركينا فاسو وكل من مالى والنيجر. أما بالنسبة للاتفاقية الإفريقية حول اللاجئين فى إفريقيا فقد توسعت فى مفهوم وتعريف اللاجئ ومنحته حماية افضل من اتفاقية الاممالمتحدة حول اللاجئين. كما استحدث الاتحاد اتفاقية لحماية الاشخاص النازحين داخليا وهى تنطبق على ظاهرة خطيرة نابعة عن تعدد النزاعات الافريقية. وكفل البروتوكول الافريقى حول حقوق المرأة حماية واسعة النطاق للمرأة وحقوقها اعترافا بدورها فى المجتمع، كما تضمن الميثاق الافريقى حول حقوق الاطفال حماية اشمل لهم من اتفاقية الاممالمتحدة لحقوق الطفل. وتعكس كل تلك النصوص مقاربة انسانية لمشكلات القارة تنفرد بها إفريقيا. وتأكيدا على الاهمية التى يوليها الاتحاد الإفريقى للقانون الدولى وتطبيقه بين دوله الأعضاء فقد أنشأ اللجنة الإفريقية للقانون الدولى التى أسهمت برؤيتها فى تطوير القانون الدولى والإفريقى وتقنيته وأصدرت آراء استشارية حول القضايا الإفريقية، وقامت بدراسات وابحاث عن القوانين الإفريقية وتفعيلها، وقد حان الوقت أن تنظر جامعة الدول العربية فى إنشاء لجنة عربية للقانون الدولى مثلما فعل الاتحاد الإفريقى مما سوف يسهم فى نشر الثقافة القانونية الدولية فى الوطن العربى. لمزيد من مقالات د. حسين عبدالخالق حسونة