من حق اللغة العربية علينا، ومن واجبنا نحوها ضرورة الحفاظ عليها، باعتبارها من المقومات والثوابت الأساسية للهوية القومية. ومن منطلق أن اللغة تشكل الوجود الداخلى للإنسان: إرادة ووعياً، فناً وذوقاً، خلقاً وقيماً، فكراً وعلماً، وبهذا الوجود تبنى الحضارات؛ ومن ثم فإن على الأمة التى تريد بناء حضاراتها والنهوض بها، وتصون ذاتها أن تحافظ على لغتها، وتحسن العناية بها، والرعاية لها. وفى سياق الحفاظ على لغتنا العربية، وتتمثل مظاهر أزمة اللغة العربية في: ضعف الأداء اللغوي؛ لدرجة أن هناك من المتعلمين من يصعب عليهم تكوين جمل مفيدة كتابة وتحدثاً حول موضوع معين، حيث يشيع التلعثم والتكرار، والأخطاء الفاحشة. وظهور أنماط لغوية جديدة خاصة بين الشباب، وبالدرجة التى باتت تشكل لغة مضادة للغتنا العربية المتوارثة عبر الأجيال. صحيح هى ذات حروف عربية، إلا أنها من حيث معناها، ودلالاتها وتركيباتها تختلف عن اللغة الأم. والخطير فى هذه اللغة الشبابية أنها تعمل على تعميق الفجوة بين الثقافة الخاصة بالشباب والثقافة العامة للمجتمع، والفجوة بينهم وبين الكبار، وتؤدى إلى إفراز أفكار ومشاعر مضادة، مما يؤدى فى النهاية إلى اغتراب لغوى يعوق التفاعل والتواصل مع الكبار ومع الأفكار الواضحة. وثمة نمط آخر، ولكن يستخدمه هذه المرة الكبار، وهو الاهتمام بلغة الإنشاء أكثر من الاهتمام بلغة الواقع، أو التعبير عن أفكار تثرى العلم والفكر، إنه اهتمام بالشكل على حساب المضمون، وتحويل الوظيفة الاجتماعية والثقافية للغة إلى مجرد لسان ينطق بها، أو إلى لغة إنشائية جوفاء، مزيفة للوعى، تصلح للتأثير العاطفى، لا لإقناع العقل، أو إثراء الفكر. أيضا النظرة الدونية للغة العربية، من جانب الكثير من أهلها، والناطقين بها، ويؤكد أنها هانت عليهم، وخير مثال الافتنان باستخدام اللغات الأجنبية كتابة وتحدثاً، إعلاماً وإعلاناً، تعليماً وتعلماً، بل إنه داخل الكثير من الأسر المصرية، يجد الابن كل التعزيز والتقدير عندما ينطق لغة أجنبية، فى حين يمكن أن يقابل بالسخرية عند نطقه لفظة عربية فصيحة. القصور الذى تعانيه اللغة العربية، تدريساً واستخداما فى مؤسساتنا التعليمية، التى من المفروض أن تكون البيئة النموذجية لتهذيب لغة التلاميذ، وإتقان قواعد اللغة، وتوظيف مهاراتها الأساسية فى التعبير والحوار والكتابة. ولسنا بحاجة لبيان ما يحدث لتدريس اللغة العربية فى مدارسنا، والتعامل مع مناهجها وكأنها جزر منفصلة ، فلا رابط بين موضوعاتها، ولا بينها وبين غيرها من المناهج للعلوم الأخرى. وهنا نتساءل: كيف يمكن التخفيف من حدة هذه الأزمة؟ الإجابة عن هذا التساؤل يمكن التوصل إليها من خلال بعض الآليات منها على سبيل المثال: - الدراسة العلمية المنظمة لواقع اللغة العربية ولدى مختلف الشرائح والفئات، ومختلف اللهجات، والأساليب والتراكيب المستخدمة فى الطبقات الاجتماعية والمؤسسات المختلفة، ووسائل الإعلام، ودراسة الصعوبات والمشكلات التى تواجه اللغة العربية، سواء من داخلها أو من الظروف المحيطة بها. - التخطيط الدقيق والمنظم والقائم على المعرفة العلمية، ونتائج العلوم المختلفة وفق رؤية كلية شاملة ومستقبلية، حتى يمكن التشخيص والتفسير الدقيق للظواهر اللغوية وللمشكلات والصعوبات المتوقع حدوثها، ومحاولة الإفادة من كل ما هو متاح من لهجات وأساليب ومفردات فى إطار القواعد والأسس الثابتة للغة العربية. - وضع خطة قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى لتنمية اللغة العربية والنهوض بها؛ بحيث تركز الخطة قريبة المدى على كيفية تعلم اللغة العربية واكتساب مهاراتها والنوعية اللازمة من فروع اللغة لتحقيق هذا الهدف، أما الخطة بعيدة المدى فتتعلق بالأبعاد المجتمعية والثقافية المرتبطة بها. - أن يتم تناول قضية اللغة العربية والتخفيف من حدة الأزمة التى تعانيها والعمل على تنميتها، بشكل مؤسسى منظم وفى إطار قومى تشارك فيه مختلف الهيئات والمؤسسات. فالقضية هى فى الأساس قضية مجتمعية، وإذا كان للغة العربية من الداخل دورها فهو دور ثانوى ومحدود للغاية، ويرجع فى معظمه لمناهجها وطرائق تدريسها فى المؤسسات التعليمية. وبالتالى لابد أن يكون العلاج مجتمعياً؛ فالأزمة أكبر من أن يتولى أمرها شخص أو هيئة أو مؤسسة معينة. ولن يتحقق هذا إلا إذا وضعنا فى الاعتبار أن قضية اللغة العربية هى بالدرجة الأولى قضية قومية ذات أبعاد استراتيجية مهمة تتعلق بكيان الأمة ووجودها. كما أن اللغة العربية لغة غنية ثرية، وباعتراف علماء اللغة تعد أكثر اللغات أبنية، ومن أقدرها تعبيراً، ومن أطول اللغات الحية عمراً، وأقدمها عهداً، وهى البقية الباقية من ثوابت الأمة العربية، والعروة الوثقى بين شعوبها، وبدونها، وفى ظل الظروف التى تعيشها هذه الشعوب، سوف ينفرط عقدها، بل يصعب وصفها بالشعوب العربية. أستاذ التربية جامعة الفيوم لمزيد من مقالات د. محمد سكران