«بداية».. «بنها» تنظم ندوة لدعم الطلاب ذوي الهمم    الطيب: الأزهر مستعد لإنشاء مركزٍ لتعليم اللغة العربية في أوزبكستان    زيارة ولي العهد... بالأرقام أبرز الواردات السعودية من مصر خلال الفترة الأخيرة    «العدل» ينعى ضحايا «الجلالة» ويطالب بحلول جذرية لأزمة حوادث الطرق    على خطى دي ليخت ومزراوي| مانشستر يونايتد يحاصر ثلاثي بايرن ميونخ    ضبط سلع منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر في حملات تموينية بالإسكندرية    إصابة 6 أشخاص انهيار عقار بالشيخ زايد    عمرو مصطفى: مش هتغير علشان حد والصدق سر موهبتي    مكتبة الإسكندرية تستضيف المعرض الفني الدولي «قصة مدينتين: أثينا والإسكندرية»    الليلة.. حفل فؤاد زبادي ومحمد محسن بمهرجان الموسيقى العربية    حكم قراءة سورة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحاجات    «بداية».. قافلة طبية للكشف على أمراض العيون ببنها    محافظ الأقصر: إنشاء وتطوير وتجديد مراكز شباب وملاعب    أيمن يونس: حسام حسن يتعرض للاضطهاد    «أوراسكوم للتنمية» توقع اتفاقية تمويل ب155 مليون دولار (تفاصيل)    لجنة برلمانية توافق نهائيا على مشروع قانون إنشاء المجلس الوطني للتعليم    «قومي المرأة» يشيد بمبادرة وزارة الداخلية لخدمة ذوي الإعاقة البصرية    تأجيل محاكمة 46 متهما بخلية العجوزة    الهند توقع عقد شراء 31 طائرة مسيرة من الولايات المتحدة    بث مباشر | الرئيس السيسي يستقبل ولي العهد السعودي بمطار القاهرة    نعيم قاسم يؤكد قوة حزب الله رغم الضربات القاسية.. ويوجه رسالة لإسرائيل    مغامرة جديدة ل أحمد خالد صالح مع «الفستان الأبيض» بمهرجان الجونة السينمائي    معتصمون فى طولكرم يطالبون بوقف عمليات القمع بحق المعتقلين    «توفنا وأنت راضٍ عنا».. آخر منشورات الطالبة «هاجر» ضحية حادث أتوبيس جامعة الجلالة    محافظ القاهرة يتفقد قرية الفواخير استعدادًا للمنتدى الحضرى العالمي «WUF12»    حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 118 مليون خدمة مجانية خلال 75 يوما    الصحة العالمية: أكثر من 92 ألف طفل في غزة تلقوا الجرعة الثانية من لقاح شلل الأطفال    العويران: أنا زملكاوي وسأقيم مباراة اعتزالي ضد الزمالك    كما كشف في الجول - الجونة يتعاقد مع عصام صبحي    ترشيح لحسام البدري لتدريب شباب بلوزداد الجزائري    الخميس.. الثقافة تطلق مهرجان أسوان احتفالًا بتعامد الشمس بمعبد "أبو سمبل"    إبراهيم نجم: دار الإفتاء المصرية لها دورها الريادي في نشر الفكر الوسطي ومواجهة التطرف الديني    عاجل.. السويد تفتح تحقيقا في قضية مبابي    الصين تدعو لمنع المزيد من تصعيد التوترات في شبه الجزيرة الكورية    أبو الغيط يرد بالأدلة على المشككين في نصر أكتوبر -فيديو    طب الأسنان بقناة السويس تحتفل بحصولها على الاعتماد للمرة الثانية    تفسير حلم البكاء - اعرف السر وراء ذلك    انطلاق فعاليات مبادرة الكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية بمدارس سوهاج    6 أسباب تجعلك تستيقظ من النوم جائعًا    محافظ القليوبية: تقديم تسهيلات للمواطنين الجادين في طلبات تقنين أوضاعهم    محافظ مطروح يتابع نتائج أعمال القوافل الطبية المجانية    ‫وزير الرى: مصر حريصة على التعاون مع كافة دول أفريقيا لخدمة قضايا المياه    تفاصيل استخراج رخصه بناء جديدة والأدوار المسموح بها    فاروق جعفر: الزمالك لم يستفيد من الصفقات الجديدة.. وهذه رسالتي إلى حسين لبيب    رئيس الوزراء يؤكد على سرعة الانتهاء من مشروعات المياه والصرف الصحي    رئيس جامعة القاهرة يوجه بتكثيف اللقاءات الفكرية بين الطلاب وكبار المفكرين والعلماء والإعلاميين    دفاع المتهمين بفبركة سحر مؤمن زكريا يطلب استبعاد تهمتى النصب والابتزاز    "لا يسخر قوم من قوم".. تعظيم حرمة الإنسان وعدم التنمر موضوع خطبة الجمعة    وزير الأوقاف السابق يدعو إلى وقف العدوان على غزة ولبنان    تحرير 1138 مخالفة تموينية متنوعة بالفيوم خلال أسبوعين    الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا الاحتلال بغزة إلى 42344 شهيدا و99013 مصابا    عيد حصاد التمور والزيتون في سيوة.. أفراح ببدء موسم الخير والتصدير وحفلات الزواج (صور)    «بجبر بخاطر المشاهدين».. أقوال صادمة للزوجة المسحولة بسبب فيديوهات تيك توك    فاعليات اليوم السابع لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح    حار نهاراً ومعتدل الحرارة ليلًا.. حالة الطقس اليوم    حاول التحلي بالمرونة حتى لا تصاب بالإرهاق الذهني.. برج الحمل اليوم 15 أكتوبر    اليوم.. محاكمة المتهمين في واقعة فبركة سحر مؤمن زكريا    داعية إسلامية: "مش بحب الأكل ده" يعتبر كفران بالنعم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأهرام» تنشر مذكرات الفريق أول محمد صادق..
ابن قائد الحرس الملكى عضو فى «خلية سرية».. تنظيم «الفداء» يطبع المنشورات.. وابن الباشا يوزعها بقصور «فاروق»
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 02 - 2019

* صادق: منصب أبى لم يمنعنى من تحمل مسئوليتى الوطنية تجاه بلدى
* نقلت أسلحة ومتفجرات من بيت السادات لحمايته من بطش الإنجليز
* صادق يهرِّب قائدًا نازيًا من ألمانيا إلى مصر مقابل آلاف الوثائق عن إسرائيل
* زوجة قيادة إخوانية تفضح «العلاقات النسائية» لأعضاء الجماعة
* بروز الدور الثورى لجمال عبد الناصر بعد معركة 1948


هذه المذكرات
انخرط صاحب هذه المذكرات فى العمل السرى، وانتظم فى خلايا ثورية متعددة، خاصة بعد حصار قوات الاحتلال الإنجليزى قصر عابدين عام 1942 للضغط على الملك فاروق لتعيين مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد صاحب الشعبية الطاغية رئيسا للوزراء لمواجهة ظروف تقدم قوات المحور بقيادة روميل فى الصحراء الغربية واختراقه الحدود المصرية من ناحية الغرب. والمفارقة اللافتة للنظر هنا أن الفريق أول محمد صادق هو ابن أحمد باشا صادق قائد بوليس السرايات الملكية، ولكن الانتماء الأسرى أو الوظيفى لم يمنعه من تغليب العمل من أجل مصر، سواء للثأر من إهانة قوات الاحتلال الملك فاروق رمز مصر، أيا كانت التحفظات عليه، أو للبحث عن طريق أفضل من أجل مستقبل الوطن.
وفى هذا الوقت المبكر كانت مجموعات من ضباط الجيش تبحث أو تحاول البحث عن إجابة لسؤال الحاضر والمستقبل، أى كيف الخلاص من الاحتلال؟ وماهو الأنسب للبلاد؟ ويواصل الرجل المشوار، وبعد نجاح ثورة 23 يوليو قرر البقاء داخل القوات المسلحة رافضا الانتقال للعمل السياسى مثلما فعل كثيرون ممن كان لهم دور فى العمل الثورى. وتشاء له الأقدار أن يتحمل مسئولية أركان القوات الموجودة أو المحتشدة فى سيناء خلال معركة 1956، ويقود معارك لتعطيل تقدم القوات الإسرائيلية، من أجل تمكين القوات المنسحبة من الوصول إلى غرب القناة. وتبرز فى هذه المعارك القدرات القيادية المتميزة لكل من على عبدالخبير، قائد القوات الموجودة فى موقع أبوعجيلة، وجعفر العبد قائد القوات الموجودة فى رفح.
وينتقل للعمل ملحقا حربيا فى ألمانيا الغربية، وبالرغم من قصر فترة تحمله هذه المسئولية، فقد تمكن من كشف صفقة الأسلحة السرية لإسرائيل ومن تهريب قائد عسكرى نازى من السجن ونقله إلى مصر مقابل كمية هائلة من الوثائق السرية المرتبطة بإسرائيل والمنظمة الصهيونية العالمية.
وقبل أن تندلع نيران معركة يونيو 1967 بشهور، يصدر قرار بتعيينه مديرا للمخابرات الحربية، فيعمل على تطويرها ورفع مستوى كفاءة أفرادها.
وخلال الانسحاب العشوائى من سيناء بعد اندلاع الحرب، يعمل على تعطيل تقدم القوات المتقدمة على المحور الساحلى من أجل إغلاق المضايق لإتاحة الفرصة للقوات المنسحبة للإفلات من قبضة خطة «المطرقة والسندان»، «إغلاق طريق الانسحاب أمامها تمهيدا للقضاء عليها». بعدها يتمكن من إقناع الرئيس عبدالناصر بإطلاق حرب استنزاف ضد قوات الاحتلال الإسرائيلى بسيناء، ويعمل على تشكيل المجموعة 39 قتال للعمل خلف خطوط العدو، ويرحل الرئيس عبدالناصر عن عالمنا، فينفجر الصراع على السلطة، وقبل أن تكتمل خطوات انقلاب عسكرى دبره الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية، يتمكن بفضل الضغوط التى مارسها من إحباط هذه المحاولة، ويصل السادات إلى قمة السلطة، إلا أن فريق ورثة عبدالناصر الذين رأوا أنهم الأحق بالسلطة، بدأ العمل من أجل إزاحة السادات. ويقف الفريق صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى جانب الشرعية ويتمكن من إحباط المخطط الانقلابى للورثة. وبذلك تنتهى معركة الصراع على السلطة خلال مايو 1971 لصالح الرئيس السادات ويتولى محمد صادق منصب وزير الحربية، وتبدأ مصر التخطيط لأول معركة هجومية لتحرير مساحة من سيناء شرق القناة، ويحدث الاختلاف بين رؤيتين، الأولى لوزير الحربية الذى رأى مواصلة الهجوم حتى الوصول إلى خط المضايق، والثانية لرئيس الأركان وترى تحرير ما يتراوح بين 10 و15 كيلو مترا والبدء فى إقامة خط دفاعى يستند إلى رءوس الكبارى التى أنشأتها القوات المهاجمة. وينتصر السادات لوجهة نظر رئيس الأركان سعد الشاذلى. وسرعان ما يتم إبعاد وزير الحربية واختيار أحمد إسماعيل ليحل محله.
ومنذ صفقة الأسلحة التشيكية عام 1955، بدأ الحضور السوفيتى على استحياء، ولكنه نزع الحياء بعد نكبة يونيو 1967، واستغل حاجة مصر الملحة لتعويض خسائرها الهائلة من الأسلحة والمعدات والذخائر وقطع الغيار، ليضغط من أجل الحصول على قواعد بحرية وجوية وبرية. وعندما اتجهت إسرائيل لشن هجمات داخل العمق المصرى، توجه عبدالناصر فى رحلة سرية فى يناير 1970 ليطلب قوات دفاع جوى سوفيتية للدفاع عن السماوات المصرية.
ويتعاظم الوجود السوفيتى العسكرى حتى يتحول إلى قوة احتلال قوامها أكثر من 24 ألف فرد.
كانت للسوفيت أهدافهم ومخططاتهم، وقد أمكن لأعداد كبيرة من المصريين قراءتها، وكانت هذه الأهداف تنال من سيادة مصر كما كان سلوكهم مع القادة فى كثير من الأحيان فظا. وكان طبيعيا أن ينتشر التململ داخل صفوف القوات المسلحة.
ويقود محمد صادق وزير الحربية حملة مضادة للحضور السوفيتى وللشراهة فى الضغط من أجل الحصول على المزيد من القواعد العسكرية داخل القوات المسلحة، ويتشكل تيار رافض للوجود العسكرى السوفيتى. وبذكاء يختار السادات إنهاء الوجود العسكرى السوفيتى فى يوليو 1972، وإن لم ينس دور صادق، ويضاف ذلك إلى أسباب كثيرة، أدت فى النهاية إلى التخلص منه. المهم أن الرجل بدأ يعيش حياته كقائد على المعاش. وكان هناك وقت لبدء كتابة مذكراته. وما أن عرف الآخرون بذلك حتى بدأت المحاولات لإقناعه بتأجيل هذه الخطوة. وما أن تتجدد المحاولة حتى تثور عقبات جديدة. ويرحل الرجل إلى رحاب الله، ولكن نشر المذكرات يتأجل لنفس الأسباب.
وها هى المذكرات تجد طريقها أخيرا إلى القارئ وهى تحمل بين طياتها أسرار السنوات التى أمضاها الرجل فى قلب الصراع.لا يمكننى رصد بدايات العمل السرى داخل صفوف ضباط القوات المسلحة بدقة. ولا يمكن القول إن كل الخلايا التى تم تكوينها خلال الأربعينيات أو منذ نهاية الثلاثينيات، كانت تناقش خلع الملك والحلول محله. الأمر المؤكد أن الخلايا أو التنظيمات السرية التى تشكلت كانت تقوم استنادا إلى علاقات صداقة وثيقة ويجمع بين أفرادها المحدودين هدف وطنى يتمثل فى مقاومة المحتل والاحتلال. ويمكن القول إن هذه التنظيمات كانت امتدادا للحركات الوطنية السرية التى ترفض الاحتلال، وتسعى لاستقلال مصر وتعمل من أجل مجدها وازدهارها.
لواء احمد صادق والد وزير الحربية الأسبق -- الفريق اول محمد صادق
ودون الغوص فى التاريخ لاستجلاء جذور الحركة الوطنية، فإن الذاكرة الوطنية تعلم أن الجمعية الوطنية المصرية التى عرفها المصريون باسم «جمعية الانتقام»، كانت أول نواة لمقاومة قوات الاحتلال الإنجليزى التى بدأت تجثم على مصر منذ يوليو 1882.
وقد لجأت هذه الجمعية إلى العمل الفدائى السرى، وتم القبض على أعضائها. وقبل أن يتقدم مصطفى كامل الصفوف ليقود الحركة الوطنية، ويؤسس الحزب الوطنى فى نهاية عام 1907، كان قد انغمس فى العمل السرى فى بداية نشاطه السياسى تحت قيادة خديوى مصر عباس حلمى الثانى. وكان الخديوى قرر التصدى للمحتل الذى عمل على تقليص سلطاته ودوره كحاكم لمصر، ومن ثم قرر جمع مجموعة من أنبل شباب مصر للتعاون والعمل ضد قوات الاحتلال. وفى نهاية عام 1906 تم إنشاء «جمعية التضامن الأخوى» لتقود العمل ضد قوات الاحتلال.
وفى ظل ثورة 1919، انفرط عقد الجمعية وأعيد تأسيسها من جديد، لتواصل دورها. وكان سعد زغلول على بينة من أهمية دور العمل السرى فى خدمة أهداف الثورة، فأوكل مسئولية هذا العمل إلى عبدالرحمن فهمى.
وتحمل عبء النضال السرى وقيادة التنظيم السرى للثورة شابان لمعا فيما بعد ووصلا إلى مقعد رئيس وزراء مصر، وهما أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى.
الملهمون الأوائل
كان الضباط يستلهمون فى تجمعاتهم السرية تاريخ النضال الوطنى ضد الوجود الأجنبى، وكان ماثلا أمام أعينهم الكثير من تضحيات أبناء الشعب وقادته.
وكانت صورة الزعيم أحمد عرابى قريبة إلى القلوب، وأقرب منها صورة الفريق عزيز المصرى.
أما الملهم والمعلم الثانى للضباط المصريين فى مجال الثورة ومقاومة المحتل والعمل السرى فهو المناضل والثائر عبدالعزيز على الذى انخرط فى هذا النشاط منذ بواكير شبابه، فبعد انضمامه للحزب الوطنى، انضم لجمعية التضامن الأخوى السرية عام 1911، التى كان من بين أعضائها كل من أحمد ماهر والنقراشى.
خلال هذه المرحلة، عرف الضباط الوطنيون طريقهم إلى الرجل. ومن بين المترددين عليه، شكل خلية ثورية، وكان الحوار بين هذا الرجل الذى يمثل جيلا مختلفا أكبر سنا ونضجا وبين الضباط الأصغر سنا والأقل خبرة، يدور حول قضايا مصر والاحتلال والفساد، والرغبة فى تغيير هذا الواقع. وتحملت هذه الخلية مسئولية كتابة وطباعة وتوزيع المنشورات، وجمع قطع الأسلحة الصغيرة لتوفيرها لكل من يرغب فى المشاركة فى العمل ضد قوات الاحتلال.
وسعى عبدالعزيز على لتوسيع دائرة العمل السرى بضم أعداد أكبر من الضباط. وخلال هذا السعى تعرف على وجيه خليل، وتوثقت علاقته به ثم تعرف على هلال المنجورى الذى كان يعمل وقتذاك مدرسا بالكلية الحربية، وكنت أنا ثالث هذه المجموعة، وكنت وقتها أعمل بالحرس الملكى. ومن هذه المجموعة شكل الخلية العسكرية الثانية، ثم انضم إلى الخلية الرحمانى. وشق الرجل طريقه إلى ضباط القوات الجوية فتعرف على خلية الطيارين عبداللطيف بغدادى ووجيه أباظة وحسن عزت وسعودى أبوعلى.
أبناء الطبقة المتوسطة
أما بالنسبة للعمل السرى للضباط، فيمكن رصد بداياته مع تخرج الدفعات الأولى من الضباط الذين دخلوا الكلية الحربية بعد توقيع مصر معاهدة 1936 مع بريطانيا.
وقررت دولة الاحتلال السماح لمصر بزيادة حجم جيشها وفقا لما نصت عليه المعاهدة. وكانت هذه الزيادة تتطلب أعدادا كبيرة من الضباط، ولذا فتحت الكلية الحربية أبوابها أمام أبناء الطبقة المتوسطة بمستوياتها الدنيا والوسطى والعليا.
وأبناء هذه الشرائح هم الأكثر إحساسا بالظلم، وبالتالى أكثر استعدادا للثورة. والطبقة الوسطى باستمرار هى وعاء القيم والقادرة على ضبط حركة المجتمع، وهى الأكثر استعدادا للبذل من أجل الوطن.
وهذه الأعداد الكبيرة من الضباط التى بدأت تتخرج فى الكلية الحربية خلال النصف الثانى من الثلاثينيات، بدأ وعيها ينضج، وتدرك معنى الاحتلال، وتلمس بوضوح حقيقة السيادة المصرية المنقوصة على أرضها، وحجم الضغوط التى يمارسها المحتل على صناع السياسة والقرار فى مصر.
ونتيجة للسخط المتزايد على الاحتلال الانجليزى لمصر، بدأت مجموعات من الضباط الوطنيين الشبان بالجيش فى تكوين خلايا لمقاومة الاحتلال.
ومن بين هؤلاء الضباط برز دور الملازم أول محمد وجيه خليل، مما أدى إلى اعتراف هذا الجيل بزعامته. فقد كان تجسيدا للشموخ والاعتزاز بالنفس والبطولة والإيثار وهو فى نفس الوقت ضابط عالى الكفاءة، ملتهب الحماس، سمح النفس، كريم الخلق، وبجانب هذا يتمتع بحس وطنى عال أورثه عداء للاستعمار لا يعرف من طريق للخلاص منه سوى الثورة عليه.
ومن خلال الاحتكاك فى مجال العمل، والحوار فى أوقات الراحة اكتشفنا أننا وجيه وثروت عكاشة وأنا، نحمل نفس الأفكار والمشاعر والأهداف. وبعد فترة أخبرنا محمد وجيه خليل أنه بدأ فى تكوين تنظيم سرى أطلق عليه اسم «رجال الفداء» وكان بذلك من أوائل من عملوا لتكوين وإنشاء تنظيم سرى بالجيش. ولم يكن يختار لعضوية هذا التنظيم إلا الأكثر وطنية وصلابة وصدقا مع النفس وقدرة على إعلاء الصالح العام على الصالح الخاص، أى إيثار مصر على أنفسهم، واستعدادهم للتضحية من أجلها بالروح. وكنت وثروت عكاشة من أوائل من انضموا لهذا التنظيم السرى.
وعن هذا التنظيم صدر أول منشور فى تاريخ القوات المسلحة للتحريض على الثورة. وبالرغم من ملاحقات البوليس السياسى لقائد التنظيم، ومحاولته التعرف على أعضائه وعلى من يصدرون المنشورات، فقد ازددنا تمسكا بعضوية جماعة الفداء.
استشهاد وجيه خليل
وتقرر مصر التدخل عسكريا فى فلسطين، وهناك على أرض فلسطين سقط محمد وجيه خليل شهيدا. وبدأت قصة استشهاده البطولية، فى اللحظة التى شاهد فيها زميله كمال بشارة ميخائيل يسقط جريحا على الأسلاك الشائكة التى تفصل موقعا مصريا عن مستعمرة إسرائيلية. وكانت هذه الأسلاك فى حماية النيران الإسرائيلية.
وبالرغم من إدراكه هذه الحقيقة ومن أنه سيعرض حياته للخطر فيما لو حاول إنقاذ زميله الجريح، فقد قبل المخاطرة واستقل عربة مدرعة وتوجه بها إلى مكانه على الأسلاك، مخالفا أوامر سبق أن صدرت له بصفته أركان حرب الكتيبة بالانسحاب، وبجسارة بالغة توجه إليه وخلصه من الأسلاك الشائكة، وحمله على كتفه واتجه إلى العربة المدرعة، إلا أن النيران الإسرائيلية نالت منه، وسقط شهيدا، وأسرع سائق العربة المدرعة بالشهيد والجريح إلى المواقع المصرية.
وأدى تعاوننا مع القائد عبدالعزيزعلى إلى الالتقاء بثوار من المغرب العربى من كل من تونس والجزائر والمغرب. وتوثقت علاقتنا بهم، وفى مرحلة لاحقة قررنا طبع منشورات ضد الاستعمارين الفرنسى فى شمال إفريقيا، والإنجليزى فى مصر. ولم نكتف بتوزيع هذه المنشورات بين صفوف القوات المسلحة والمدنيين، بل عملنا على توزيعها على الهيئات السياسية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية فى مصر. وخلال هذه المرحلة تكونت صداقات مع عدد من هؤلاء الثوار، ومن هؤلاء الحبيب بورقيبة وهوارى بومدين.
وفى ظل ظروف الحرب العالمية الثانية، التقت إرادتنا محمد وجيه خليل وهلال المنجورى وأحمد الخشاب ومحمد صادق على تكوين خلية للعمل ضد قوات الاحتلال. وضمت الخلية فيما بعد ثروت عكاشة ووجيه أباظة.
وعندما نقلت للعمل بالكتيبة الأولى مشاة فى مرسى مطروح عام 1940، كان السادات يخدم هناك. وخلال لقاءاتنا، كان يروى لى عن مجموعة الشباب التى يتزعمها لاغتيال الإنجليز، خاصة فى منطقة المعادى.
وفى عام 1941 عدت للقاهرة، وعاد السادات أيضا وذات يوم ذهبت برفقة المنجورى لزيارة السادات فى بيته بمنشية الصدر، فوجدناه فى حالة شديدة من القلق والخوف، فلما استوضحنا السبب أخبرنا أن البوليس فى طريقه لتفتيش بيته، الذى يخفى فيه كميات من الديناميت والأسلحة. وقال: إنهم لو عثروا على هذه الممنوعات فى بيته فسيكون فى ذلك نهايته، ونهاية مشوار مقاومته قوات الاحتلال، وتطوعت أنا وهلال لإنقاذه من هذه الورطة، وحملنا معا أثناء خروجنا جوالا مملوءا بأصابع الجلجنايت وعدة طبنجات إنجليزية وإيطالية وألمانية الصنع. وأخفينا هذا الجوال بمنزل والد هلال، ثم أخفينا السادات نفسه بجراج المنزل. وقد أدينا هذا الواجب حماية لضابط مصرى وطنى من بطش الانجليز والسلطة المصرية.
منشورات بالقصور الملكية
وخلال هذه الفترة تقرر نقلى للعمل بالحرس الملكى. وكان والدى اللواء أحمد باشا صادق هو قائد هذا الحرس. ولم يصل إلى هذا المركز إلا نتيجة تاريخه فى العمل الوطنى وشجاعته وكفاءته. وأتاح لى ذلك الفرصة لتوزيع المنشورات داخل القصور الملكية. ولم يمنعنى منصب أبى ومسئولياته، من تحمل مسئوليتى الوطنية تجاه بلدى وضد قوات الاحتلال، وضد الفساد.
وكنت أعلم أن دورى يثير الكثير من علامات الاستفهام، فضابط الحرس الملكى، ابن الباشا قائد الحرس الملكى، لا يشارك فى العمل السرى فقط، بل يقوم بتوزيع المنشورات الثورية داخل القصور الملكية.
وبعد فترة علمت أن زميلى بالحرس الملكى الضابط كمال رفعت قد انغمس فى النشاط السرى وإنضم مع مجموعة أخرى لإحدى الخلايا. وكانت أحداث 4 فبراير 1942 سببا فى ازدياد حدة الغضب داخل القوات المسلحة، مما أدى إلى توسع النشاط السرى وانضمام ضباط جدد للخلايا الموجودة، بل وبدء إنشاء خلايا جديدة.
والحكاية بدأت مع وصول قوات الفيلق الألمانى بقيادة روميل إلى ليبيا، واندفاع قواته بسرعة نحو الحدود المصرية، وانهيار القوات الانجليزية أمام قوات البانزر المتقدمة. وهذا النجاح الألمانى، والتقدم العسكرى السريع، أثار موجات من الارتياح بين صفوف المصريين المعادين للإنجليز، والذين رأوا فى الزحف الألمانى فرصة للخلاص من الاحتلال الإنجليزى.
حكومة «امتصاص الغضب»
كان الإنجليز يعلمون بالشعور المعادى لهم، ويتحسبون له. وانتهت حساباتهم الخاصة بالموقف إلى ضرورة وجود حكومة شعبية تحظى بموافقة الناس حتى يمكنها امتصاص بعض الغضب. ولم يكن هناك سوى حكومة وفدية يرأسها الزعيم مصطفى النحاس صاحب الشعبية الطاغية. فطلبوا من الملك فاروق فى فبراير 1942 تكليف النحاس زعيم الأغلبية بتشكيل الوزارة، أملا فى استمالة الرأى العام المصرى. وعندما رفض الملك فاروق الاستجابة لنصيحتهم أو لطلبهم قرر السفير لورد كيلرن فرض الحصار على قصر عابدين. وتحركت الدبابات الإنجليزية من معسكراتها نحو القصر الذى كان يقيم فيه الملك وقتذاك، وكان ذلك يوم 4 فبراير 1942. وأنذر السفير الإنجليزى الملك فاروق بعد أن تم حصار القصر إما الاستجابة لطلبهم وتكليف النحاس بتشكيل الوزارة أو تحمل مسئولية ما سوف يترتب على ذلك، بما فى ذلك التنازل عن العرش. وأمام هذا الإنذار الواضح ومشهد الدبابات التى تحاصر قصره، استدعى الملك مصطفى النحاس وكلفه بالوزارة.
كان الموقف بالغ القسوة على المصريين، خاصة ضباط القوات المسلحة، وبالرغم من الصورة السلبية المرسومة للملك، تجمع الضباط بالعاصمة، وتوجهوا إلى قصر عابدين لتحية الملك، الذى خرج لرد تحيتهم.
كان التصرف تعبيرا عن رفض ما جرى من انتهاك لسيادة مصر ورمزها الملك فاروق. نسى الجميع أى خلافات، ولم يتذكروا سوى أن الملك رمز لمصر. وأن ما لحقه من إهانة على يد الانجليز شكل إهانة لكل المصريين.
ولم تمض شهور حتى تم إلقاء القبض على أنور السادات فى القضية المعروفة بقضية الراقصة حكمت فهمى. وكانت التهمة التجسس لحساب الألمان، والتعاون مع ضابطى مخابرات هما ابلر و ساندى ولم يكن ابلر سوى حسين جعفر ابن لمواطن مصرى من أم ألمانية.
وبدأت حركة بين صفوف الضباط الوطنيين هدفها مساعدة السادات وجمع أموال لعائلته، ولأن السلطات الإنجليزية لم تتمكن من ضبط جهاز اللاسلكى الذى كان موجودا بحوزة السادات، ولأن السادات تمكن من إجهاد المحققين والإفلات من حصار أسئلتهم ومن مواجهة الجاسوسين الألمانيين اللذين اعترفا، ودحض كل ما قالوه، فقد انتهت القضية بطرده من الخدمة. وبذلك أفلت من الإعدام رميا بالرصاص.
القصر.. والاغتيالات
وبعد سقوط الأحكام العرفية وانتهاء مرحلة هرب السادات، عاد لمواصلة نشاطه فى العمل السرى. وعندما تعرض مصطفى النحاس لمحاولة اغتيال يوم 6 سبتمبر 1945، توقعنا أن يكون السادات طرفا فيها. وبعد نجاح حسين توفيق فى اغتيال أمين عثمان يوم 6 يناير 1946 وبعد إلقاء القبض على القاتل تمكنوا من إلقاء القبض على أنور السادات ليلة 11 – 12 يناير 1946. ولم يفرج عنه إلا فى أغسطس عام 1948 بعد أن قضت المحكمة ببراءته.
وهذه القضية برمتها وملابساتها، أستطيع أن أجزم بأن القصر كان من ورائها وأن المخطط الرئيسى لها هو الدكتور يوسف رشاد بالتعاون مع أنور السادات.
فأمين عثمان وزير مالية بحكومة الوفد، وهو رجل الإنجليز القوى، الذى يعتمدون عليه، وهو الذى قال بعد توقيع معاهدة 1936، إن هذه المعاهدة زواج كاثوليكى بين البلدين، أى زواج لا انفصام له، أى علاقة مستمرة لا ولن تنقطع. وقد أراد الملك بهذا الاغتيال أن يثأر للمهانة التى لحقت به عام 1942. ولم يكن ممكنا لحسين توفيق أن يهرب من سجنه، ثم من مصر كلها إلا بمعاونة السراى فلولا نفوذ السراى الملكية، ما تمكن من الخروج من مصر بكل طمأنينة. وحصل السادات على مكافأته بالقضاء ببراءته فى نهاية المحاكمة. أما القاتل فلم يحكم عليه سوى بعشر سنوات غيابيا.
وحتى عام 1950 لم تكن السراى تعلم شيئا عن تنظيمات الضباط الوطنيين سواء تلك التى يقودها جمال عبدالناصر ومعظم أفرادها من المشاة أو التى يقودها رشاد مهنا ومعظم رجالها من ضباط المدفعية، أو سعد عبدالحفيظ الذى يقود مجموعة من ضباط الفرسان، أو عبدالعزيز هندى ومجموعة ضباط المشاة أو عبداللطيف بغدادى ومجموعة الطيارين. ولم تصل السراى أنباء عن هذا النشاط قبل بداية عام 1952.
وإذا كانت مجموعات محمد وجيه خليل وأنور السادات وحسن عزت وأحمد سعودى وعبداللطيف بغدادى قد بدأت نشاطها فى بداية الأربعينيات، فإن مجموعة الفرسان التى ضمت مصطفى نصير وعبدالحميد كفافى وسعد عبدالحفيظ وجمال منصور لم تبدأ نشاطها إلا فى منتصف الأربعينيات بل يمكن القول إنها بدأت عام 1945.
وبدأت معركة 1948 حيث استشهد البطل محمد وجيه خليل. وكان أحمد سعودى قد استشهد وهو يحاول الوصول بطائرة حسن إبراهيم إلى القوات الألمانية فى الصحراء الغربية. وتوفى هلال المنجورى فى حادث سيارة.
وأطلقت معركة 1948 بنتائجها طاقات جديدة من الغضب، وساهمت فى اكتشاف فساد كثير من القيادات، وعندما انتهت المعركة كانت علاقات جديدة قد ظهرت وأخرى أصبحت وثيقة أكثر. وبقوة دفع هائلة اتسعت دائرة العمل السرى. وكان الهدف هذه المرة لا الإنجليز فقط بل الملك. وكانت عملية التشهير بالملك تمضى بقوة فى الصحف. وكان أخطر حملات التشهير حملة الأسلحة الفاسدة. وبالرغم من أن القضاء قضى ببراءة الجميع، وبعدم وجود ما يسمى قضية الأسلحة الفاسدة، إلا أن الحملة تركت أثرها بين الضباط، وفى الرأى العام المصرى، الذى أصبح أكثر استعدادا لقبول أى تغيير قادم، وبعد العودة من فلسطين بدأ كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وخالد محيى الدين نشاطهم لتكوين خلية من ضباط المشاة، وذلك فى نهاية عام 1949.
عبد الناصر والتنظيمات السرية
تمكن جمال عبد الناصر بذكائه من التعامل مع كل القوى السياسية فى مصر وسعى للسيطرة على معظم التنظيمات السرية داخل القوات المسلحة، وكان تنظيم الفرسان، وتنظيم الطيران فى مقدمة التنظيمات التى سعى إليها للاستفادة من خبرتها فى العمل السرى أولا، وفى طباعة المنشورات، وذلك كمقدمة لاختراقها وإقناعها بالتعاون معه.
وبعد اندماج المجموعتين، مجموعة جمال عبدالناصر ومجموعة الفرسان، اتفقنا على اختيار اسم الضباط الأحرار، لتوقيع المنشورات به. وبعد استشهاد وجيه ووفاة المنجورى وانضمام، «مجموعة الفداء» إلى تنظيم جمال عبدالناصر وخالد محيى الدين، ظل اتصالى بالمجموعة مقصورا على جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وثروت عكاشة. وهم نفس الثلاثة الذين حافظت على علاقتى بهم بعد نجاح قيام ثورة 23 يوليو. وبعد خروج الملك من مصر، توجهت إلى مقر مجلس قيادة الثورة، وقدمت نفسى إليهم بصفتى ضابطا بالحرس الملكى، وكذلك فعل البكباشى عبدالمحسن كامل مرتجى قائد الحرس بالإسكندرية وقتذاك الذى أمر قواته بالاشتباك مع قوات ثورة يوليو عندما حاولت اقتحام قصر رأس التين بالإسكندرية، وكان هو الاشتباك الوحيد خلال أحداث 23 يوليو 1952. وبرغم ذلك قررت لجنة الضباط الإبقاء على مرتجى بعد ان دافع عن موقفه بشجاعة وثقة بالنفس، بالرغم من أنه استمع إلى جمال سالم وهو يطالب بإعدامه فورا، فقال للمجتمعين: «لقد أقسمت يمين الولاء والدفاع عن الملك، وما فعلته إنما هو حرصى على شرف هذا القسم، وإذا كنت قد حضرت فإنما حضرت لتسليم نفسى، لا لطلب العفو. وبما أن الملك قد غادر مصر، فقد انتهت سلطته. وكما خدمت كضابط مصرى، فإننى مازلت ضابطا مصريا. هكذا كنت وهكذا سأكون بإذن الله». وعندما التقيت الصاغ عبدالحكيم عامر، الذى كان موجودا بجوار عبدالناصر، وأنا أقدم نفسى، رحب بى ترحيبا شديدا، حيث كنا أصدقاء من نفس الدفعة، درسنا وعشنا وتخرجنا معا، وجمعت بيننا ظروف العمل فى بعض الأحيان. واستقبلت الترحيب بتحفظ، موضحا أننى بصفتى ضابطا بالحرس الملكى، فقد حضرت بعد رحيل الملك لأقدم نفسى. وابتسم الرجلان، وسألانى عما إذا كنت بعد كل ما قدمته لمصر من خدمات لمقاومة الاحتلال بالرغم من خدمتى بالحرس الملكى، وكابن لقائد الحرس الملكى السابق، الباشا أحمد صادق، أريد أن أنضم وأعمل معهما.... إلا أننى رجوتهما فى حالة استمرارى فى الخدمة، أن أظل رجلا عسكريا. وتقرر تعيينى وأنا برتبة الصاغ «رائد» قائدا للحرس الجمهورى. وهذا المنصب يشغله دائما لواء، وكانت لفتة طيبة من قادة 23 يوليو. وبما أن هذا الجيل من الضباط يعرف بعضه بعضا، فقد كان الذين خارج حلبة السلطة، يحسدون الذين بداخلها وينقمون عليهم ما هم فيه من سلطان وصولجان وأمجاد.
وخلال الأيام التى أعقبت نجاح ثورة 23 يوليو بدأت حلقات من الضباط الذين لم يشاركوا فى العمل السرى ضد قوات الاحتلال أو رجال القصر، والذين لم يشاركوا فى العمل ليلة 23 يوليو، هروبا أو حذرا، أو خوفا، بدأت تتملق وتلتف حول أعضاء مجلس قيادة الثورة. وتوقعت أن يصعد نجم هؤلاء الطفيليين الانتهازيين، ويتراجع أو ينحسر دور كل من شارك فى صناعة هذا النجاح.
ورأيت أن أنأى بنفسى عن هذه الصراعات، التى لن تترك أحدا، والتى سيدفع الوطن فى النهاية ثمنها. واستجاب الجميع إلى طلبى، وعدت إلى صفوف القوات المسلحة، كضابط يخدم فى التشكيلات، وابتعدت تقريبا عن الساحة بكل ما حدث بها من صراعات، وتفرغت للحياة العسكرية، دون أن أفقد قدرتى على متابعة مجريات الأمور.

فى الحلقة القادمة.. الثلاثاء المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.