أن تمتد يدك بالأذى والضرب والتعذيب - أو بالقتل - لطفل.. فأنت، ودون أن تدرى، إنما تقتل المستقبل. طبعا.. أليس الطفل هو المستقبل؟ لكن يبدو أن هذه الحقيقة باتت غائبة عن الكثيرين منا حتى إنه لا تكاد تشرق علينا شمس يوم جديد إلا ونقرأ فيه أو نسمع أو نشاهد مذبحة للإيذاء. ولا يقتصر الأمر على فئة من المجتمع دون فئة بل امتد ليشمل أطفالا من كل الطبقات، وفى معظم مدننا والمحافظات.. وساعتها تغرورق عيناك بالدمع وتهتف فيك روحك: ما كل هذه الوحشية التى تفوقنا فيها على الحيوانات؟ اقرأ معى إن شئت عيّنة من العناوين السريعة لأخبار أوردتها صحفنا خلال اليومين الماضيين (والتى الكثير منها منقول من مقاطع مصورة صوتا وصورة على مواقع التواصل): زوجة الخال ذبحت مريم ذات السنوات الثلاث / الأقارب اغتصبوا ثم قتلوا الطفلة فاطمة / قتلت طفلها انتقاما من زوجها / تعتدى على ابنها حتى الموت لخروجه بلا إذن/ ضبط الأم التى أجبرت طفلها على التسلل من الشرفة فكاد يموت. هذا مجرد غيض من فيض.. يعنى قليلا من كثير. وعندما تقرأ سيجف لعابك، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تحوقل، ثم ينفجر فى رأسك السؤال المؤلم: لماذا كل هذا؟ صحيح.. لماذا استهداف الأطفال بهذا الشكل المتكرر وكأننا أمام ظاهرة؟ لا والأكثر إدهاشا أن المعذبين والمعتدين غالبا ما يكونون من أقرب الأقربين للطفل المسكين (بل ومن الأم أو الأب). عندئذ قد يعنّ لك التوجه بالسؤال إلى الراحل أمير الشعراء شوقى: يا أستاذ .. ألم تكن على حق حين قلت: فإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ.. هذان فى الدنيا هما الرحماء؟ فأين تلك الرحمة؟.. وماذا جرى ويجرى لنا بالضبط؟ السؤال عويص ويقتضى تدخل كل هيئات ووزارات المجتمع للإجابة.. ثم للبحث عن الحلول. ويجانبه الصواب من يحصر المشكلة فى المعالجة الأمنية وحدها، إذ من غير المعقول أن نوقف رجل أمن على كل أسرة ليراقب تصرفاتها مع صغارها. ولا شك أن لتلك الانتهاكات - التى تبلغ أحيانا حد التوحش- أسبابها المادية والمجتمعية والثقافية والنفسية بالأساس.. وعلى خبراء الاجتماع والاقتصاد والنفس أن يهرعوا فيعثرون لنا عن هذه الأسباب وتلك الحلول.. وإلا فالقادم لن يكون حلوا أبدا. البعض يذهب إلى أن وراء ما يحدث لأطفالنا ذلك التفكك الأسرى الذى بات ظاهرة عند الأغنياء قبل الفقراء.. والذى يرجع بدوره إلى عوامل عديدة تتطلب بحثا متعمقا لمعالجتها. وهنا يكون السؤال: فأين جمعيات ومنظمات المجتمع المدنى ومجالس الطفولة والأمومة والمرأة التى نسمع منها كل ساعة كلاما فضفاضا يبلغ عنان السماء؟ وهل سنظل نكتفى بتصريحات صحفية وتليفزيونية لزوم المظهرة واستعراض أحدث موضات الأزياء والماكياج أم ستبدأ تلك المجالس تحركا جادا نرى نتائجه قريبا؟..أم أن ثمة اختلالات جذرية طرأت على الشخصية المصرية وتترك آثارها أول ما تترك على الأطفال الذين هم الحلقة الضعيفة التى لا تستطيع الدفاع عن نفسها؟ إذا كان ذلك كذلك فإن على المجتمع التحرك بسرعة من خلال برلمانه لوضع قوانين ناجزة رادعة تعاقب كل من تسول له نفسه إيذاء طفل.. حتى لو كان هذا الطفل من أبناء الفقراء المهمشين. إن القانون لا يستحق أن يحمل شرف هذه التسمية (القانون) ما لم يطبق لحماية الضعيف من القوى المتجبر (حتى لو كان هذا المتجبر أبا غبيا لا يعرف لأبنائه حقا ولا حصانة). الحديث عن تفشى العنف، ليس فى مصر وحدها بل فى كل أرجاء الدنيا، لا يبرر أبدا الاستكانة إلى تلك الحقيقة فنترك أطفالنا يعذبون ويذبحون وتنتهك طفولتهم. نعم هناك عنف فى كل مظاهر الحياة، وفيما نشاهده فى أفلامنا ومسلسلاتنا وأفلام ومسلسلات الآخرين المنهالة فوق رءوسنا كالمطر الأسود. ولأننا لا يمكننا إيقاف عجلة العنف هذه، سواء عندنا أو عند الآخرين، فإن المطلوب بذل جهد أكبر لحماية الطفل من هذا العنف المنتشر. إنهم يوفرون تلك الحماية فى المجتمعات التى ليس بها دين فما بالنا نحن الذين لدينا ديانات تدعو إلى الرحمة والشفقة والتسامح؟ أليس المفروض أننا أرحم منهم؟. وربما يكون من النافع هنا التذكير بأن إعادة الهيبة للأب باتت أمرا مطلوبا. ومن مغلوط الفهم أن نربط الهيبة بالعنف، بل الصحيح هو العكس تماما.. إذ كلما زادت هيبة الأب زادت رحمته بأبنائه. إن الأب المهان المحتقر من مجتمعه ومن المحيطين به أشد خطرا على الأبناء من أب صارم حازم يعرف للأبوة معناها الحقيقى.. وهل تتحقق هيبة إلا فى إطار عام شامل يحفظ للأب ( أى للرجل) كرامته على كل المستويات؟ إن الرجل الحقيقى هو الذى سينجح فى تربية ابن ( أو ابنة) بشكل حقيقى فلا يكون مسخا من المسوخ كما نرى الآن! كذلك فإن الاستكانة إلى الاعتقاد بأن الفقر هو وحده المسئول عن تحجر قلوب الآباء والأمهات، بل والمجتمع كله، إزاء الأطفال مسألة تحتاج إلى إعادة النظر. لقد تربى معظمنا على مر السنين فى ظل الفقر.. فهل كنا نسمع عن أم مزقت لحم ابنها بداعى الفقر؟ بالتأكيد إن معالجة الفقر أمر فى غاية الأهمية، وهاهى الحكومة تحاول فى حدود إمكاناتها بذل أقصى ما تستطيع.. إلا أن الاكتفاء برمى الكرة فى ملعب الفقر لن تقود إلى أى حل ومن ثم يجب بحث الظاهرة بشكل أعم وأشمل. يعنى ماذا يمكن أن نفعل بالضبط؟ لا مفر من تحرك مجتمعى شامل، يشمل التعليم والإعلام والقوانين والدعاة بالمساجد والوعاظ بالكنائس.. فالأمر جد وليس هزلا!. لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات