المبشر أنه بالرغم من معاداة حكومة أكبر دول العالم لتحذيرات التغيرات المناخية باعتبارها مؤامرة للنيل من التقدم الصناعى الأمريكي، ورغم انسحاب دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، إلا أن الوعى الجماعى العالمى انتصر للاتفاقية. والمبشر أيضا، أن اتباع سياسات أكثر مسئولية مناخيا باتت مظاهره جزءا من الحياة الاعتيادية للأفراد، كما يجرى حاليا من غزو السيارات الكهربائية و"الهجينة" لشوارع العالم. 200 دولة وقعت فى بولندا منتصف ديسمبر الماضى على كتيب القواعد الدولية لتنفيذ مقررات اتفاقية باريس للمناخ والمبرمة عام 2015. انسحاب أمريكا من الاتفاقية أضعفها بالطبع، وكذلك فعلت، مثلا، اعتراضات كتلة الدول النامية حول تقدير المخاطر التى تجابهها حاليا من جراء التغيرات المناخية، و"ميوعة" التزامات الدول الأكثر ثراء إزاء مسئولية التكلفة المالية لبلوغ هدف تخفيض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بمعدل نصف درجة بحلول عام 2030. لكن الأهم أن تمرير قواعد "اتفاقية باريس" يعنى أن الوعى الدولى يرفض حملات التشكيك فى جدية قضية التغيرات المناخية وأن هناك إرادة ملتزمة بفعل كل ما يتوجب فعله للحد من تدهور الأحوال البيئية. كما أن مسألة التغيرات المناخية لم تعد قضية "نخبوية". فقد انعكست إجراءات التغير المناخى على الحياة اليومية للأفراد، وأحدث الأمثلة كانت " غزوة السيارات الكهربائية". انتشار السيارات الكهربائية والتحول عن شقيقتها العاملة بالوقود التقليدى يعتبر المرحلة التالية فى تكنولوجيا النقل. ولكن يتوجب التوضيح مبدئيا، أن أصل السيارات كانت كهربائية. كان ذلك فى بداية القرن العشرين، فكان ثلث السيارات المتنقلة بين الشوارع تعمل بالبطاريات الكهربائية، قبل الاعتماد الكامل على الوقود التقليدي. الحكومات الغربية، فى الأغلب حتى الآن، أصبحت تتبع سياسات أكثر صداقة للبيئة، وبالتالى أكثر اعتمادا على أنماط النقل التى لا تستهلك الوقود التقليدى بعوادمه. فوفقا لتقديرات موقع "بلومبيرج" ، فإنه بحلول 2040، ستكون نصف السيارات تعمل بالبطاريات الكهربائية. ومن المتوقع أن تتوافر بالأسواق فى 2021 نسخ "كهربائية" لحوالى 230 موديل سيارة معروفة حول العالم، بالمقارنة بنحو 179 بنهاية 2018. تقديرات منطقية، إذا تم ربطها بواقع أن فى الولاياتالمتحدة، المعادية للسياسات الصديقة للبيئة، تجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية بها حاجز المليون خلال 2018. وتعهد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بتقديم كل الدعم الحكومى للراغبين فى تبديل سيارتهم التقليدية بأخرى كهربائية ضمن سياساته الجديدة للطاقة ذات البعد البيئي. فحكومة ماكرون سبق وأعلنت انها ستحظر بيع السيارات التقليدية عام 2040. وإحدى العلامات التجارية فى صناعة السيارات الفرنسية سبقت ماكرون بإعلانها الاقتصار على إنتاج السيارات الكهربائية اعتبارا من بداية 2019. فرنسا إجمالا، تتمتع بالبنية التحتية اللازمة للتحول الوشيك جدا حيث تتوافر بها محطات الشحن الكهربائي. لكن فرنسا ليست وحدها، فالدول الاسكندنافية حاضرة وبقوة كالعادة. فالنرويج شهدت 40% زيادة فى مبيعات السيارات الكهربائية فى 2018، حتى إن واحدة من بين كل ثلاث سيارات تسير فى شوارعها حاليا. والسياسة الرسمية للنرويج، أقرت عام 2025 بأنه بداية اقتصار المبيعات على السيارات الكهربائية أو "الهجينة"، التى تجمع ما بين النمطين التقليدى والكهربائي. هولندا أيضا صوت برلمانها وأقرت حكومتها 2030 كموعد لوقف مبيعات السيارات التقليدية. وفى ألمانيا، تتزايد أعداد الولايات التى حددت العام ذاته موعدا لبداية الإنتاج والتداول حصرا فى السيارات الكهربائية. المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل خرجت فى أكثر من مناسبة ما بين عامى 2017 و2018 لتأكيد أن مستقبل صناعة السيارات الألمانية يكمن فى التحول إلى القطاع الكهربائي. واستجاب لها مصنعو السيارات فى ألمانيا وأوروبا، حيث تتزايد أعداد الشركات التى بدأت تدشن خطوطا لإنتاج النموذج الكهربائي.