بما أن القاهرة أصبحت فى دائرة اهتمام الرئيس السيسى، فإن ذلك يعنى أنها ستخرج من محنتها التى استمرت لأكثر من نصف قرن، هذه العاصمة التى كانت الأكثر جمالا وأناقة وتنسيقا عام 1925 عندما فازت بالمركز الأول متفوقة على كل العواصم الأوروبية. وبدايات الانهيار كثيرة، فالمدينة التى كانت شوارعها تغسل بالماء والصابون يوميا ابتداء من منتصف الليل وحتى الساعة الخامسة صباحا، وكانت عربات رش الماء ترش هذه الشوارع مرتين يوميا، والمناطق التى لا يوجد بها كهرباء تضاء بمصابيح غاز الاستصباح، رأى المسئولون وقتذاك أن هذه الميزانية يجب توجيهها إلى أوجه إنفاق أجدى من هذا التبذير!! واستجابة لمطلب سوفيتى تقرر بناء مصنع الحديد والصلب بحلوان بدلا من بنائه بجوار مناجم الحديد فى أسوان مع بناء مساكن للعمال القادمين من الريف والصعيد وبما يؤدى إلى ترييف المنطقة. لتتحول حلوان إلى منطقة عشوائية ضمت عشرات الآلاف من المقيمين الجدد. وكما تم ترييف الجنوب، تم ترييف شمال القاهرة عندما أقيمت عشرات المصانع بمنطقة شبرا الخيمة لتشكل ضغطا على قلب العاصمة وبما أفقده طابعه الجميل، وجعل الشوارع أسيرة العادات الريفية. وعندما تقرر تخفيض إيجارات المساكن، توقف المستثمرون عن بناء المبانى السكنية، ولأن الحكومة أعجز من أن تلبى الطلب على المساكن نشأت أزمة الإسكان، وبدأت تتفاقم، فلجأ الناس إلى بناء مناطق عشوائية أحاطت بالعاصمة من الشرق والغرب، وكان من نتيجة تخفيض الإيجارات توقف أصحاب العمائر عن صيانتها، ولم يتحرك السكان لمواجهة المشكلة، وبدأت الثروة العقارية تدفع أثمان تخلف الصيانة الدورية أو غير الدورية. وكنتيجة لتقلص ميزانيات النظافة، وانتشار العشوائيات، وتضاعف عدد السكان، بدأت مشكلة النظافة فى البروز كقضية لا يهتم بها أحد، وبدأت السلطة فى فرض رسوم يدفعها السكان، وارتفع الرقم من جنيهين شهريا إلى أكثر من أربعة أمثال هذا المبلغ، ولم يتحسن مستوى النظافة، ولجأت السلطة إلى التعاقد مع شركات أجنبية، ولكن المحاولة لم تنجح، وانتشرت القمامة فى كل جنبات المدينة. والأدهى أن نظام الصرف الصحى، الذى لم يشهد أى عمليات تجديد أو صيانة طوال عقود، تعرض للانهيار، وتحولت شوارع كثيرة إلى بحيرات كارثية، وعندما تفاقم الموقف فى ستينيات القرن الماضى، وجد المسئولون حلا مؤقتا أطلقوا عليه «مشروع المائة يوم»، وسرعان ما انفجر الموقف من جديد. وقررت السلطة خلال نهاية السبعينيات تنفيذ مشروع كبير لإنقاذ المدينة، إلا أنه لم يصمد طويلا. وأصيبت مصر بعدد من المسئولين يمكن أن يطلق عليهم «أعداء اللون الأخضر والأشجار» وكانت البداية القضاء على حديقة الأزبكية الجميلة، وتلا ذلك الاعتداء على حدائق الحرية والأورمان والحيوانات وغيرها، وفى حديقة الحيوان فقد رأى مسئولون اقتطاع مساحات منها لبناء كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتوسعة منشآت كلية الهندسة وهم يرفعون شعار «إن التعليم والطلبة أحق بهذه المساحات من حديقة الحيوان»، منطق متخلف وجاهل، ولكنه انتصر. أما عمليات رصف وتجديد وصيانة الشوارع، فلم تجد من يهتم بها. وهكذا طالت معاناة العاصمة إلى أن قرر الرئيس السيسى القضاء على هذه المعاناة، وإعادة الوجه الجميل لأجمل وأعرق عواصم العالم. لمزيد من مقالات عبده مباشر