لعل ما يدور في أروقة المشهد السياسي العربي من حركات ثورية وانتقاضات عارمة واحتجاجات واسعة الانتشار في المنطقة العربية بدءا من تونس ومرورا بمصر, اليمن, ليبيا, البحرين, وسوريا. يثير زخما من التساؤلات تدور في معظمها حول مستقبل النظم في تلك الدول وفي أي اتجاه تسير؟ وهل حقق الثوار أهدافهم؟ خاصة أن الشواهد الواقعية تشير إلي تزايد مطالب الثوار إزاء تعنت أهل السيف(السلطة) في تحقيق تلك المطالب, وفي نفس الوقت تراخي أهل القلم المثقفون بلغة ابن خلدون في دعم الحركات الثورية والانخراط فيها. كما يطرح المشهد السياسي إشكاليات أخري تتعلق بموقف العالم الخارجي; وبخاصة أمريكا وإسرائيل من تلك الحركات الثورية التي أطلق عليها الربيع العربي. والسؤال الأكثر إثارة هو: ما موقف القوي الفاعلة في عالم اليوم من ثورات الربيع العربي؟ وما استراتيجيتها في الشرق الأوسط؟ هل تخطط من أجل التكيف مع معطيات ثورية جديدة يمكن أن تغير من توازن القوي في منطقة الشرق الأوسط, تلك التي تمثل محور اهتمام القوي العالمية لما لها من مصالح في تلك المنطقة, فهل نتوقع توجهات استراتيجية جديدة تنطوي علي آليات ناعمة أم خشنة, بمعني المفاضلة بين سياسة الاحتواء أو اللجوء إلي وسائل الردع فتحقق مصالح لأمريكا وحلفائها في المنطقة. لقد بات واضحا سيادة حالة من القلق والتوتر والترقب والخوف في المنطقة العربية علي مستقبل تلك الدول, والتي استطاعت بعد طول معاناة أن تحقق نوعا من الاستقلال والسيادة, فبعد كفاح وطني وحروب ملتهبة راح ضحيتها مواطنون شرفاء وقفوا بصلابة ضد الاستعمار بآلياته العسكرية, صرخات وطنية وكفاح مستمر, مما يدعو إلي قلق مزدوج الأول علي المستويين الداخلي والخارجي تعاني منه شعوب المنطقة فعلي المستوي الأول لعبت الأنظمة المستبدة التي حكمت بالسيف دورا أساسيا في الشعور بالحرمان النسبي أسهمت في قمع المواطنين لفترات تاريخية طال مداها, وعلي المستوي الثاني يأتي الشعور بالقلق وعدم الاستقرار في المنطقة بسبب التهديدات التي تقودها كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. عانت تلك الشعوب مما دفعها إلي الرغبة في الإطاحة برموز أهل السيف, وانطلقت مجموعات من الشباب المتعطش إلي الحرية, إلي الفعل الثوري لرفض أشكال القمع مستعينين في ذلك بوسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي الذي دشن ثورات الحرية والكرامة والعدالة. إن الربيع العربي وضع هذه الشعوب أمام لحظة حياتية فارقة في تقرير مصيرها فعليها إعادة صياغة أوضاعها في ضوء متغيرات العصر, وتحسين أوضاع المواطنين واستشراف مستقبل الأوطان, وعليها الاعتراف بأنها أمام تحديات كبري, عالمية تتمثل في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل, وإقليمية ومحلية, تتضمن ما يحاك من دول المنطقة من رغبة أهل السلطة بتقويض ثورات الربيع العربي, خوفا من انتشار قيمها ونقل خبرات الثوار إليها والانقضاض علي نخبها السياسية, وكذا تأتي التهديدات المحلية التي تتمثل في بقايا النظم التي أطاحت بها الشعوب. . فعالم اليوم بات من التعقيد والتشابك بحيث تغيرت فيه الرؤي وتنوعت فيه الإستراتيجيات, نحن في حاجة إلي تعديل النظريات التقليدية السائدة وتبديل الأفكار والمقولات وفقا لتباين المصالح وتشابك العلاقات الدولية, مما يستدعي إعادة النظر في الفكر السائد بما يتطلب تحليلات أعمق, ورؤي ثقافية, وفكرا تنويريا, وفهما تحليليا مخالفا لما كان بالأمس. هنا تثار تساؤلات تحتاج إلي بحث وتعمق من أهمها: أي نمط من أنماط الديمقراطية يحقق أهداف ثورات الربيع العربي ؟ ما آليات تحقيق الديمقراطية في المنطقة العربية ؟ إلي أين تتجه رياح التغيير في المستقبل ؟ ما الفرص المتاحة أمام الشعوب ؟ وما أهم التحديات الخارجية والداخلية وكيف يمكن مواجهتها ؟ وللإجابة عن التساؤلات المطروحة سلفا لابد أن نتذكر المصالح المحورية للولايات المتحدةالأمريكية وإسرائيل والتي يمكن رصد أهمها في التالي: البعد الأمني: حماية السلامة الأمنية والإقليمية لأمريكا وحلفائها وعلي رأسها إسرائيل. البعد الاقتصادي: ضمان ازدهار الولاياتالمتحدةالأمريكية واستمرارها كقوة اقتصادية أولي علي مستوي العالم, مما يؤهلها لمواجهة التحدي الصيني والصعود البرازيلي بإعتبارهما من القوي الصاعدة التي تزاحم مكانة الولاياتالمتحدة وتنافسها علي الصعيد الاقتصادي العالمي. البعد الاجتماعي والثقافي: الحفاظ علي القيم والمبادئ التي تنشرها أمريكا علي المستوي العالمي والتي ترسخت بفضل العولمة الاقتصادية والثقافية وآليات الرقمنة والثورة المعلوماتية المعاصرة. البعد العسكري: تعزيز القدرات العسكرية للحفاظ علي التفوق العسكري علي الصعيد العالمي لتحقيق الردع ومكافحة الإرهاب والأمن الإسرائيلي والقدرة علي توظيف استخدام القوة علي نحو فعال. فهل لنا, كشعوب عربية, تشعر بالقلق والتوتر بسبب الغموض الذي يسود المشهد السياسي في تلك الدول أن تأخذ في اعتبارها أن عالم اليوم ليس هو عالم الأمس, حيث نلاحظ تغير سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه الشرق الأوسط, وتبدل مواقفها من النظم السائدة أو البائدة, ومن القوي السياسية بأوزانها المختلفة, ومن الثوار والشعوب العربية, وأنها في إطار ذلك تعيد صياغة استراتيجيتها وإعادة تقييم للاتجاهات الرئيسية السائدة في المنطقة, وكذلك الخيارات المناسبة لتحقيقها والدليل علي ذلك موقفها من ايران والتسلح النووي في المنطقة, مما يدفع دول أخري مثل المملكة العربية السعوية الحصول علي اسلحة نووية قد تؤدي إلي الانتشار الثوري في المنطقة. وكذلك موقفها من العراق فهي لاتزال تبحث عن علاقات قوية في كل الأوساط السياسية والعسكرية التي يمكن استخدامها من أجل بقاء السيطرة علي العراق, وكذلك ليبيا وسوريا, وفي مصر تحديدا باعتبارها مركز الثقل في العالم العربي, فمن الواضح إذن- أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تبحث عن آليات للتكيف الاستراتيجي في سبيل تحقيق مصالحها والحفاظ علي ما وصلت إليه في ظل النظام البائد, فهي تخشي تهديد حرية الملاحة في قناة السويس, وتهديد أمن إسرائيل وإنهيار اتفاقية السلام والمعروفة باتفاقية كامب ديفيد, والخوف من الصراع المحتمل بين اسرائيل والحكومة المصرية الجديدة. فهل نقول وداعا لثورات الربيع العربي. المزيد من مقالات د: احمد مجدى حجازى