اختار الكاتب الكبير قيمة وقامة صلاح منتصر أن يكتب شهادته على عصر عبدالناصر على ضوء ما رأى وسمع وعاصر. ولا يمكن لمثله وهو فى هذه السن «84 عاما» وبكل ما يحمله من خبرة وما عاشه من تجارب إلا أن يكون أمينا وموضوعيا. وبذكاء يتوقف أمام حكاية اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر، فيقول إن اختياره كان موفقا جدا، فقد كان هو العامل الرئيسى فى تأييد المواطنين والجيش لما جرى يوم 23 يوليو، ولولاه لانتهت الحركة إلى الفشل. وقد نسى قادة الحركة هذا الفضل، وعاملوه هو وأسرته بقسوة وغلظة وفرضوا عليه الاقامة الجبرية بمنطقة المرج. ويوضح لنا أن الطريق إلى هزيمة يونيو 1967 بدأ من العدوان الثلاثى عام 1956 ثم الوحدة السورية 1958 والانفصال 1961 فحرب اليمن 1962 ويقول إن القيادة لم تدرس ظروف الحرب للاستفادة منها، وينقل عن الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية أنه منع نشر أو ذكر حقائق العدوان الثلاثى خوفا من التقليل من شأن المكاسب السياسية ثم يقول فى فقرة أخرى، إن عبد الناصر ألقى خطابا يوم 29 مايو 1967 جاء فيه «أنه اختار الوقت والمكان وقد تمت الاستعدادات، ونحن على استعداد لمواجهة إسرائيل».. ثم يقول نقلا عن هيكل من كتابه الانفجار ص710 «من الساعة الثامنة صباحا حتى الحادية عشرة والنصف صباح يوم الاثنين 5 يونيو، كانت الحرب قد انتهت خلال هذه الفترة القصيرة أى خلال مدة 3 ساعات ونصف الساعة تم حسم الحرب. وهذه المدة هى التى استغرقتها الضربة الجوية الإسرائيلية التى كانت قاضية». أما بالنسبة للتورط فى المستنقع اليمني، فيقول نقلا عن هيكل «إن قرار التدخل فى اليمن لم يكن من أجل مصر أو أمنها القومى ولا لأن خطرا كان يتهددها، بل لأن عبد الناصر بعد أن خسر معركة الانفصال السورى التى كسبها الملك سعود، لم يكن يريد أن يخسر معركة ثانية فى اليمن». ويقول الكاتب: «لم أستطع أن أجد سببا مقنعا للتأميمات التى صحونا عليها فى 10 يوليو 1961». وبحسم يقول: «وبصرف النظر فقد فشلت سياسته الاشتراكية بمختلف مسمياتها». ويعيد منتصر تذكيرنا بما ورد فى التقرير الذى كتبه المستشار عبدالحميد عمر «بعد نكبة 1967»، ومن ذلك قوله «إن الفترة التى جرت فيها أحداث هذه القضية - يقصد قضية كمشيش- هى أسوأ فترة مرت بها مصر. فهى فترة ذبحت فيها الحريات ووطئت فيها أجساد الناس بالنعال ووضعت ألجمة الخيل فى فم رب العائلة وكبير الأسرة، والمحكمة لا يسعها إلا أن تسجل أن المخلوق الذى ينسى خالقه ويأمر الابن بأن يصفع وجه أبيه أمام الناس هو مخلوق وضيع وتافه» ثم يقول عن الاقطاع «هللنا لتحويل الفلاح الأجير إلى مالك». فما إن مضت سنوات حتى اكتشفنا خطأ ما حدث بسبب تفتت الملكية الزراعية إلى قراريط نتيجة الميراث، فضعفت الزراعة. وفقدت مصر بسبب ذلك مساحة كبيرة من ثروتها الزراعية. وعن تخفيض الإيجارات، يقول: «لاسترضاء المستأجرين تقرر تخفيض إيجارات المساكن أكثر من مرة». وأدت هذه السياسة إلى إحجام المصريين عن استثمار مدخراتهم فى بناء المساكن. وبدأنا نعيش أزمة إسكان حادة وكانت آثار القرار مدمرة. ويثير قضية أهل الثقة وأهل الخبرة فيقول »كان قادة يوليو يتشككون في غير العسكريين، فراحوا يتوسعون في الاستعانة بهم فى مختلف أنشطة الدولة، وبسرعة ساد ما أصبح معروفا بأهل الثقة الذين أصبح الاعتماد عليهم هو التوجه الرئيسى وكان ذلك على حساب أهل الخبرة. فارتفعت درجة التملق وانتشر النفاق وساد المنافقون والجهلة، صفتراجع مستوي القيادات ومستوى الأداء. وبالرغم من صغر حجم الكتاب، فإنه عظيم القيمة وما ذلك إلا لأن الكاتب امتلك الشجاعة ليضئ مساحة هائلة من هذه المرحلة. لمزيد من مقالات عبده مباشر