فى عام 1968، هتف الطلبة فى شوارع فرنسا «الشارع لنا» فى إطار احتجاجات حاشدة شملت جوانب فنية وإضرابات عمالية شارك بها أكثر من 11 مليون عامل، وسط أجواء وهتافات درامية ضد الإمبريالية الأمريكية والرأسمالية. واستمرت هذه المظاهرات سبعة أسابيع، وانتهت بتغيرات مجتمعية لا سياسية كما يعتقد البعض، فقد نجح الرئيس الفرنسى شارل ديجول آنذاك فى الصمود والتماسك فى وجه حالة الغضب الشعبي، وعلى الرغم من الشلل الذى أصاب البلاد، استمر ديجول فى مسيرة الإصلاح. واليوم، يخضع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لاختبار مماثل، فالتغيرات والصعوبات التى يمر بها الاقتصاد العالمى تفرض على الحكومات اتخاذ قرارات صعبة تثير قلق الشعوب وغضبها، ولكنها عادة ما تؤتى ثمارها. المشكلة أن الغضب الفرنسى على هذه السياسات تحول إلى عنف وخراب وتدمير، وشيء آخر تماما بخلاف المظاهرات السلمية، يكاد يكون أقرب إلى ما حدث فى بداية موجات «الربيع العربي». وهل يعنى تعليق الحكومة الفرنسية لقراراتها، تراجعا نهائيا، أم أنه مجرد مماطلة تهدف فقط إلى تهدئة الشارع، وليس التراجع عن المبدأ. من يفوز فى المواجهة؟ الشعوب أم الأنظمة، العقول أم العواطف، لغة الواقع أم طلبات الشارع؟ ولماذا اللجوء للعنف؟ ولماذا تخريب “قلب” فرنسا ورموزها التاريخية والسياحية؟ وهل يغير ما حدث فى فرنسا نظرة العالم إلى حق التظاهر؟ وإلى أى مدى يمكن أن تذهب أحداث فرنسا؟ فى هذا الملف، نسعى للإجابة على هذه الأسئلة، مستعرضين أهم جوانب الأزمة الفرنسية، وخلفياتها، وسر حالة التنمر والعنف والتخريب التى آلت إليها مظاهرات «السترات الصفراء».