2194 يوما و2194 ليلة مرت علي رحيل نجيب محفوظ في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات مضت. مع أن الإنسان ينظر إلي يوم الرحيل ووقائعه كأنها كانت بالأمس فقط. كل التفاصيل منذ لحظة خروج جثمانه من مستشفي الشرطة بالعجوزة حتي مواراته الثري في المقبرة التي اشتراها بطريق القاهرةالفيوم مرورا بسيدنا الحسين حيث أوصي بالصلاة عليه ووصولا لمسجد آل رشدان بمدينة نصر. حيث الصلاة الرسمية عليه والرحلة الطويلة من مدينة نصر حتي طريق الفيوم. ست سنوات مرت بأيامها ولياليها وهي وإن كانت فركة كعب قصيرة الأمد في أعمار الشعوب. فهي فترة طويلة كانت كفيلة بتحقيق بعض ما طرحناه عند رحيله عن مشروعات تخليد ذكراه واستعادة مشروعه وتذكير المصريين بما قدمه للسرد المصري والعربي والعالمي من محاولة كان عنوانها الإخلاص والدأب والمثابرة والاعتماد علي النفس الذي هو خير معلن عن معانيها وعدم الاستناد لأي قوة خارجية سواء كانت دولة أو حزبا أو جماعة ضغط أو مجموعة من البشر. أو حتي جماعة من المثقفين. كانت هناك مشروعات كثيرة جري تنفيذ البعض منها. لكني أعتبر أن الأهم بين كل محاولات تخليد ذكري نجيب محفوظ كان متحفه. وبعد الوفاة مباشرة شكل فاروق حسني وزير الثقافة في ذلك الوقت لجنة لاختيار مكان يصلح أن يكون متحفا لنجيب محفوظ. وقع الاختيار علي وكالة محمد بك أبو الدهب التي تطل علي ميدان سيدنا الحسين. هوجمت الفكرة من البعض لأن الباب الذي تدخل منها إلي الوكالة يطل علي الباطنية. حيث يمكن تأويل اختيار المكان. تم تخصيص قصر الأمير باشتاك بشارع المعز لدين الله الفاطمي ليكون مقرا للمتحف. وعند معاينة المكان اكتشفنا أن ست عشرة أسرة تقيم في القصر بموجب عقود. ولن تترك المكان قبل تدبير مساكن بديلة لهم. مما يتطلب أموالا لا تقدر عليها الدولة المصرية الآن. ثم إن باب القصر علي شارع المعز توجد فيه زاوية صغيرة اسمها: زاوية الفجل. لا تقام فيها صلاة. لكن الاقتراب منها أو التفكير في إزالتها يمكن أن يحمل ما لا يحتمل فتحدث مشكلة. اسم نجيب محفوظ في غني عنها. فكرنا في مقعد الأمير ماماي. وهو أقرب مكان للبيت الذي ولد فيه نجيب محفوظ بميدان بيت القاضي بالجمالية. لكن المقعد لا يخرج عن كونه مساحة تطل علي الميدان ولا يرتبط بها أي غرف تجعل تحويل المكان لمتحف من الأمور المتاحة والممكنة. وهكذا عدنا إلي المربع رقم واحد. وهي وكالة محمد بك أبو الدهب. وأصبح المخرج السينمائي الكبير توفيق صالح مسئولا عن المتحف. وكلما جاءت ذكري رحيله قلنا إنه في هذه المناسبة سيتم تدشين المتحف وافتتاحه لكي يعمل. ثم نوجه نداء لكل من توجد بحوزته إحدي متعلقات نجيب محفوظ ليسلمها للمتحف. وقررنا أن يكون متحفا ومختبرا للسرديات المصرية والعربية والعالمية. وملحقا به قاعة عرض سينمائية لا تختص بعرض الأفلام المأخوذة عن رواياته فقط. ولكن لدراسة فن السينما الذي أحبه وكتب له الكثير من السيناريوهات. أعرف أن وزارة الثقافة تناوب عليها خلال هذه السنوات الست: فاروق حسني, جابر عصفور, محمد عبد المنعم الصاوي, عماد أبو غازي, شاكر عبد الحميد, صابر عرب, محمد إبراهيم, ثم صابر عرب. وعدد الوزراء يعكس حالة عدم الاستقرار التي مرت بها مصر خلال الفترة من يناير2011 حتي الآن. فهدم القديم مسألة ليست سهلة. وبناء الجديد عملية قد لا تكون متاحة. وعندما تصبح لقمة العيش مهددة والإحساس بالأمن والأمان غائبا. فإن الكلام عن متحف لنجيب محفوظ قد يكون فيه قدر من تناول أمور النخبة والصفوة التي ربما لا تشعر بها الجماهير ولا بأهميتها. أعتقد أنها فرصة تاريخية أمام الدكتور صابر عرب لكي يخرج موضوع متحف نجيب محفوظ للوجود. وإن كانت ذكري رحيله قد مرت. فمازالت أمامنا هذا العام2012 مناسبتان مهمتان لنجيب محفوظ. الأولي: ذكري حصوله علي جائزة نوبل في12 أكتوبر سنة1988, وفي أكتوبرHGLRFG يكون قد مر علي حصوله عليها24 سنة أي ربع قرن إلا سنة واحدة. ثمة مناسبة أخري ألا وهي ميلاده. فقد ولد نجيب في11 ديسمبر سنة.1911 والعام الماضي كان عيد ميلاده المائة. وقد مر ولم نتمكن من التوقف أمام المناسبة بما تستحقه. وهذا العام ستكون السنة الأولي بعد المائة. ويمكن أن يوضع حجر أساس متحف نجيب محفوظ في ذكري ميلاده الأولي بعد المائة. لا يذهب بالك إلي أنني أتكلم عن فرد. مهما كانت عبقريته وعطاؤه ودوره. ولا أتوقف أمام نجيب محفوظ باعتباره صاحب نوبل الأولي للأدب العربي. وربما كانت الأخيرة علي الأقل في حياة جيلنا. ولكني أتكلم عن المعني وعن الدلالة بالنسبة لنجيب محفوظ وسيرته ودوره ومشروعه في الكتابة الأدبية. وأعتقد أنه لا خلاف ولا اختلاف في المجتمع المصري كله حول قيمة نجيب محفوظ وحول المتعة التي وفرها للمصريين وللعرب والمسلمين وللعالم كله بنتاجه الأدبي. ثم إن متاحف الأدباء تعتبر مزارات سياحية تعلي من شأن السياحة الثقافية. ومن ذهب إلي قرية سترادفورد القريبة من لندن وقضي يوما في ضيافة شكسبير. ومن أسعده زمانه وذهب إلي بطرسبرج أو ليننجراد وقضي وقتا في متحف ديستويفسكي أو ذهب إلي موسكو وزار متحف تولستوي أو تشيكوف. أو كان في اليابان وتجول في متحف كوباتا. سيدرك أن هذه المتاحف تشكل ذاكرة الأمة. وليس تاريخ الأديب أو الكاتب. وأنها تعلي من إحساس الفرد بوطنه وقوميته. كتب نجيب محفوظ في مدخل روايته: أولاد حارتنا: ولكن آفة حارتنا النسيان. أرجو أن نثبت له أننا في مصر هنا والآن نتذكره وأن الذكري أهم من النسيان. وأن نقول له إننا سنعمل كل ما نقدر عليه من أجل افتتاح متحفه ونحن علي قيد الحياة. المزيد من مقالات يوسف القعيد