لأول مرة منذ تاريخ إنشائه فجر الحزب الليبرالي الديمقراطي البريطاني المفاجأة بعد ان نجح زعيمه الشاب ذو الثلاثة والأربعين عاما نيك كليج في التفوق علي منافسية. وهم زعيمي حزب العمال والمحافظين وهما الحزبان اللذان احتكرا السلطة في بريطانيا علي مدي65 عاما. فالنظام الانتخابي المعمول به في بريطانيا كان يضمن سيطرة كل من حزب العمال والمحافظين علي الانتخابات التشريعية باعتبارهما الحزبين اللذين يتمتعان بشعبية كبيرة في البلاد فيكفي ان يتفوق احدهما علي الآخر دون ان يحقق الأغلبية في الجولة الوحيدة للانتخابات لكي يتمكن من تشكيل الحكومة.إلا ان قواعد اللعبة الانتخابية قد تشهد تغييرا هذه المرة خاصة بعد المناظرة التليفزيونية التي شهدتها بريطانيا الأسبوع الماضي في إطار الحملة الحالية للانتخابات التشريعية التي ستجري في السادس من مايوالقادم. فخلال هذه المناظرة التي جرت ضمن سلسلة من ثلاثة مناظرات وعلي خلاف كل التوقعات حقق نيك المفاجأة الكبري واحتل قائمة المرشحين الثلاث منتزعا إعجاب60% من عدد المشاهدين للمناظرة متفوقا بذلك علي جوردن براون رئيس الوزراء الحالي ومرشح حزب العمال وديفيد كاميرون مرشح حزب المحافظين. والغريب ان هذه المناظرات التي لم تعهدها بريطانيا من قبل والتي تتم علي غرار المناظرات الأمريكية لم تكن لتجري لولا دعوة من جوردن براون الذي كان يأمل- من خلالها- تحسين صورته واستعادة ثقة الناخبين بعد تراجع شعبية العمال في الآونة الأخيرة حيث كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة حصوله علي ال24% من أصوات المستطلعة أرائهم في مقابل36% للمحافظين و14% للحزب الليبرالي الديمقراطي. دعا براون الي إجراء هذه السلسلة من المناظرات التليفزيونية والتي خصصت الأولي منها للحديث عن السياسة الداخلية علي أمل إحراز تقدم علي صعيد شعبيته وشارك فيها كاميرون هو الآخر لعل وعسي يتمكن من تسديد الضربة القاضية للعمال وينجح في ازاحتهم من طريق المحافظين بعد ثلاثة عشر عاما في السلطة أما نيك كليج زعيم الليبراليين الديمقراطيين فقد وجودها فرصة ذهبية للخروج بحزبه للنور فالثابت وفقا للإحصاءات ان ناخب من كل ثلاثة ناخبين في بريطانيا لا يعلم حتي ان هناك مرشحا يحمل اسم نيك كليج. لم يكن أمام نيك شيئا يخسره فبدا أمام كاميرات التليفزيون هادئا علي طبيعته واثقا من أرائه التي وثقها بالأرقام والمعلومات الدقيقة فكانت المفاجأة غير المتوقعة له ولباقي المرشحين: فلا براون بنجاحه في تخطي الأزمة الاقتصادية ولا كاميرون بجاذبيته ونجاحه في إعادة هيكلة حزبه استطاعا ان يتفوقا علي هذا القادم من بعيد, وفي مواجهة الهدوء والشباب كانت عصبية براون وتقشفة وبرود كاميرون وتباهيه وهكذا اكتشف الناخب البريطاني لأول مرة انه لم يعد مجبرا علي الاختيار مابين' العمال' و'المحافظين' فقدم نيك حزبه باعتباره الاختيار الثالث الذي يملك القدرة علي التغيير. ولكن حتي لا يذهب البعض بتوقعاته بعيدا ويتخيل ولو للحظة واحدة ان رئيس وزراء بريطانيا القادم من الممكن ان يكون من الحزب الليبرالي الديمقراطي فعلينا العودة مرة أخري الي ارض الواقع لنذكر ان ما حققه نيك من تقدم في المناظرة لا يعني بأي حال من الأحول إمكانية ان يكون رئيس وزراء بريطانيا القادم فوفقا لأفضل السيناريوهات سيأتي الثالث كما هوترتيبه المعتاد في الانتخابات السابقة والتي لم تتعد نسبته فيها ال20% من الأصوات بواقع50 مقعدا في مجلس العموم الحالي ولكن الجديد هذه المرة قد يحدث في حالة عدم حصول اي من الحزبين الكبيرين علي أغلبية مريحة في المجلس تضمن له تنفيذ سياساته مما يعني ان الفائز سيكون مضطرا للتحالف مع الحزب الليبرالي الديمقراطي مما يؤهله لأول مرة منذ إنشائه للمشاركة في الحكم.وان كان هذا الاحتمال أيضا مستبعدا خاصة ان تجارب البريطانيين السابقة في حكومات التحالف لم تكن مشجعة علي الإطلاق باستثناء حكومة تشرشل الوطنية خلال الحرب العالمية الثانية. وأخيرا من هو نيك كليج الذي خرج من المجهول منذ أسبوع واحد فقط رغم انه يتولي زعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي منذ2007. وفقا لسيرته الذاتية فدماؤه البريطانية تمتزج بالروسية من الأب والايرلندية من الأم وزوجته ماريام محامية أسبانية ولديه منها ثلاث أبناء. أما الحادثة التي يذكرها بكثير من الخجل فتلك التي ارتكبها في إحدي أجازاته المدرسية بميونخ عندما كان في حالة سكر بين وقام هومع احد زملائه بإحراق مجموعة نادرة من الصبار لاحد الاساتذة. درس نيك علم الآثار والإنسان في كمبريدج ثم تحول الي العمل الصحفي ليتجه بعد ذلك الي السياسة كنائب في البرلماني الاوروبي في الفترة من1999 الي2004 وتوجهات حزبه الأوروبية تبدو بوضوح بالمقارنة مع بقية المرشحين حيث يدعو إلي ضرورة تبني اليورو كعملة أوروبية موحدة يذكر ان بريطانيا رفضت استبدال الاسترليني باليورو أما علي الصعيد الاقتصادي فتوجهاته الليبرالية لم تمنعه من الدفاع عن العدالة الاجتماعية من خلال اقتراح بفرض ضرائب إضافية علي الإرباح المالية وإعفاءات ضريبية علي الدخول المتدنية. المناظرة الثانية ستجري اليوم' الخميس' فهل سيواصل نيك تقدمه أم ان ظهوره المفاجيء قد أيقظ المارد من القمقم وعليه ان يتوقع في الأيام القادمة حملة تستهدف إقصائه من الصورة.