يتخذ المسلمون عبر تاريخهم ليالي شهر ربيع الأول وأيامه عيدًا يحتفلون فيها بذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم تحببًا إلى حضرته وعرفانا بفضله العظيم حيث ظهرت رحمته وأنوار هدايته على الخلق كافة؛ وفي ذلك يقول الله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107]. وقد وُلد صلى الله عليه وسلم في مكةالمكرمة في فجر يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل، ووافق ذلك يوم الثاني والعشرين من شهر «نيسان» إبريل عام 572 ميلادية، وذلك في فصل الربيع موعد انتشار الرياحين وتفتح الزهور. ويأتي ابتهاج الأمة وسرورها بالميلاد زيادة في التحبب والتعلق والاتصال بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وذلك من أعظم القربات وأفضلها؛ فالنفوس مجبولة على الفرح بمن تحب، ولا يخفى أن ذلك يمثل تعبيرًا صادقًا عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وسلم،فمحبته صلى الله عليه وسلم أساس الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله تعالى، ومن فاز بهما فقد حاز الفلاح والرضوان، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»[صحيح البخاري/ 14]. وقد جاءت مشروعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من أنه كان يحيي نهار يوم الإثنين بالصوم، ولما سُئِل عن ذلك، قال:«ذاكَ يَومٌ وُلِدتُ فِيهِ»(صحيح مسلم/ 1162)، كما أن الله تعالى قد جعل أيام مواليد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأريخًا لتجليات رحمته وعنايته بالخلق، ومحلًّا زمانيًّا للسلام والبركة وعموم السرور؛ كما في قوله تعالى على لسان سيدنا المسيح عليه السلام:(وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ)[مريم: 33]، وقوله تعالى عن يحيي عليه السلام:(وسَلَامٌ عليه يَومَ وُلِدَ)[مريم: 15]. والميلاد هو نعمةُ الإيجاد التي هي أساس كل نعمة بعدها، وميلاد النبي صلى الله عليه وسلم سببُ كلِّ نعمة في الدنيا والآخرة، وهو الرحمةُ العظمى إلى الخلق كلهم؛ كما قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]: «فضلُ الله: العلمُ. ورحمتُه: مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم». لذا يندب إحياء هذه الذكرى العطرة بمختلف مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يُتقرب بها إلى الله تعالى، وهو ما جرى عليه عمل الأمة من غير نكير، حيث يبذل المسلمون خلال أيام شهر ربيع الأول ولياليه أنواع الشكر لله تعالى والتقرب إليه بإحياء هذه الأوقات المباركة بمختلف أنواع الطاعات من تلاوة القرآن الكريم، وقراءة كتب السنة الشريفة والسيرة النبوية العطرة، خاصة قصة المولد الشريف، وإطعام الطعام، ومواساة المحتاجين، وإنشاد المدائح فيه صلى الله عليه وسلم. ويَدخُل في ذلك ما اعتاده الناسُ من شراءالحَلوى والتهادي بها؛ فرحًا منهم بهذه المناسبة العطرة ومحبةً منهم لما كان يحبه؛ فقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ (صحيح البخاري/ 6571)، كما أن التهادي أمر مطلوب في ذاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تَهَادوْا تَحَابوا»(موطأ الإمام مالك/1635)، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى؛ كَإدْخَالِ السُّرورِ على الأهل والأقارب وصِلة الأرحامِ فإنه يُصبح مستحبًّاومندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولدِ المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أشَدَّ مشروعيةً وندبًا واستحبابًا؛ والوسائل لها أحكام المقاصد. وما أحوج الأمة في هذه الآونة الحرجة التي تمر بها من أن تزيد في وفائها واتصالها وتعلقها به صلى الله عليه وسلم من خلال كثرة ذكره والمداومة على الصلاة عليه على كل حال، والاقتداء بالكتاب والسنة قولًا وفعلًا وسلوكًا مع بذل ما في الجهد في العمل المتقن واتخاذ أسباب الرقي والعمران حتى يتحقق ما أمرنا الله تعالى في قولِه الكريم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7].وكل عام والأمة كلها بكل خير. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية