نخطئ فى حق وطننا، وتاريخنا، إذا تصورنا أن ثورة 1919، التى تحل ذكراها المئوية فى مارس المقبل، ملك لأى حزب. يحق لحزب الوفد، أو ما بقى منه، أن يحتفل بهذه الذكرى، لكن بوصفه جزءاً من المجتمع المصرى، مثله فى ذلك مثل غيره. وليتنا نستثمر هذه المناسبة لمراجعة ما كُتب عن ثورة 1919، وتدقيقه، لأنها كانت حلقة مفصلية فى تاريخ مصر وحركتها الوطنية، وينبغى النظر إليها على هذا النحو، وإنهاء أى خلط بينها وبين حزب الوفد الذى أُعلن تأسيسه بعدها بأكثر من ثلاثة أعوام. فالوفد الذى تشكل فى نوفمبر 1918 لمقابلة المندوب السامى البريطانى، والمطالبة باستقلال مصر فور إنهاء الحرب العالمية الأولى، ليس هو حزب الوفد الذى مارس العمل الحزبى منذ انتخابات يناير 1924. والفرق بينهما يكمن فى المسافة بين وفد شُكل للتفاوض من أجل الاستقلال، وحزب سياسى أُعلن لممارسة العمل الحزبى وخوض الانتخابات العامة، إلى جانب النضال فى سبيل هذا الاستقلال مثل أحزاب أخرى سبقه بعضها إلى هذا النضال، وفى مقدمتها الحزب الوطنى القديم. وأهم ما فى الوفد الذى شُكل فى نوفمبر 1918 ولم يكن له أى طابع حزبى، وحزب الوفد، هو شخص الزعيم العظيم سعد زغلول. كان هذا الزعيم أبرز أعضاء وفد 1918 الذى ضم معه عبد العزيز فهمى وعلى شعراوى، ثم صار رئيسه بعد توسيع عضويته وانضمام آخرين إليه. وصار هو نفسه رئيساً للحزب الذى حمل اسم الوفد عندما أُعلن تأسيسه بوصفه حزباً سياسياً. لكن معظم أعضاء الوفد الشعبى الذين انضموا إلى مؤسسيه الثلاثة لم يشاركوا فى تأسيس حزب الوفد، بل أسهم أغلبهم فى تأسيس حزب الأحرار الدستوريين الذى تعود أصوله إلى حزب الأمة الذى أُنشئ عام 1907. صحيح أن تأسيس حزب الوفد اعتمد على تراكم حدث على الأرض منذ انفجار ثورة 1919. غير أن حزب الأحرار الدستوريين استند بدوره إلى هذا التراكم، بل كان عدد قادة ثورة 1919 الذين شاركوا فى تأسيسه أكثر من أولئك الذين كانوا مع سعد زغلول فى حزب الوفد. لذلك نخطئ كثيراً إذا اختزلنا ثورة 1919 فى حزب واحد. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد