متى نعتذر لشهدائنا وتراثنا ونحرر شعبنا من نير حكم الاحتلال الفصائلى إلى براح صدقية حكم الشعب؟ لقد خطفت إسرائيل الوطن الفلسطينى فى عام 1948، وخطفت الفصائل الفلسطينية القرار الفلسطينى منذ انقسامها فى عام 2007. وتتصرف الفصائل الأكبر والأقوى والأغنى فى مصير بلادنا وأرواح مواطنيها من غير تكليف، أو اختيار من الشعب الفلسطيني، صاحب الشرعية الوحيد فى اختيار قيادته،لإدارة شئون الشعب ومواجهة الاحتلال وقضايا الحرب والسلام والأمن والاستقرار، والتوزيع العادل للثروة وملكية الأراضي، وحراسة وحدة الشعب وأمنه ورخائه. اختطفت حركة حماس قطاع غزة بالسلاح، بينما اختطفت حركة فتح الضفة الغربية بالوراثة. هل يستطيع أى من التنظيمين الادعاء بأن مواطنا فلسطينيّا واحدا من داخل ما تبقى من الأرض الفلسطينية أو خارجها قد انتخب أو كلّف أو اختار أو عهد إلى أو وهب الحكم والسيطرة والأخذ والرد والقبول والرفض إلى قيادة أو شخص أو حركة أو حزب أو فصيل من الذين تتطاير قراراتهم وتصريحاتهم وأوامرهم وأحكامهم فى الأرجاء بحق شعبنا المظلوم؟ كيف يمكن أن يثق شعبنا فى تنظيمين رائدين فشلا فى التوصل لمصالحة بينهما منذ أكثر من اثنى عشر عاما جدباء؟ كيف يمكن لشعبنا أن يثق بهذين التنظيمين وهما يتبادلان كل صباح اتهامات مخجلة بالخيانة والعمالة؟وأين من ذلك ما علّمناه الرئيس الشهيد والشيخ الجليل من أخلاق الاختلاف وآداب النقاش وحرمة الدم الفلسطيني؟وهل يحرج ولاؤنا لبلادنا أن تكون دولة كمصر، ومؤسسة كالجامعة العربية، أكثر اهتماما وحرصاًمن فصائلنا فى استمرار الوساطة والجهد والتفهم والتفاهم لإيجاد مخرج بين الإخوة الأعداء؟ هل من المعقول أن يستقوى فصيل فلسطينى على فصيل فلسطينى آخر ببلاد قريبة أو بعيدة، ويتفاوض مباشرة أو من خلال وسيط مع دولة إسرائيل، بينما يرفض التصالح العادل والمشاركة الجديّة والتفاوض الإيجابى مع شقيقه فى الوطن؟ يوما بعد يوم ينكشف الغطاء وتظهر الحقيقة المتمثلة بموقف الطرفين الواضح فى رفض المصالحة، وتعطيل تسليم السلطة لحكومة مؤقتة محايدة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التى تعيد الشرعية الانتخابية للقيادة الفلسطينية. إن السبب الحقيقى لرفض مسئولى حركتى فتح وحماس التوصل لمصالحة حقيقية وعادلة هو التحسس من أن المصالحة لا بد أن تأخذ من سيطرتهم المطلقة الحالية على الشعب الفلسطيني، حماس سوف تضطر للتخلى عن صلاحيات تمارسها فى قطاع غزة، وفتح سوف تفقد الحكم المطلق فى الضفة الغربية. كما يتخوف كلاهما من اللجوء للانتخابات لشكوكهم الصائبة فى أن شعبنا قد خسر الاهتمام والثقة بأى منهما فى انتخابات جديدة.أمّا الحكومة التوافقية والفترة الانتقالية فهى مقبولة إذا لم تعط الثقل لأى منهما على الآخر أو لأعضاء الحكومة الانتقالية، الأمر الذى يبدو مستحيلاً. التهدئة التى نلهث وراءها سوف تنهى المقاومة، وهى مرفوضة من إسرائيل التى أعلنت قاعدة الهدوء مقابل الهدوء والضرب مقابل الضرب بلا اتفاق أو وثائق، وأسرانا سوف يستمرون فى سجون إسرائيل ما لم نخضع لشروطها المعروفة، فما الذى بقى لنا سوى اتهام بعضنا وتخوين الآخر وتبادل البذاءات؟. التصريحات والاتهامات، التى يزداد عددها ويرتفع صوتها، تلك التى تزيّن أخبارنا اليومية مؤخرا والتى لا تتناغم مع السياسة والموقف العام لكل من الفصيلين الفلسطينيين، ليست موجهة لإسرائيل، ولا لأمريكا، ولا حتى للشعب الفلسطيني، إنما هى إشارات لظاهرة جديدة وخطيرة ومؤشرة لما هو قادم فى مستقبل الزمن. وهى الوحيدة التى تعكس التشابه فى التفكير والأداء لما يجرى داخل التنظيمين الفلسطينيين. تلك التصريحات والاتهامات هى أول غيث الخلافة فى حركة، فتح وكذلك حركة حماس.خلافة قيادة الداخل والخارج، والضفة والقطاع، والمتشددين والمعتدلين فى حركة حماس، وخلافة الرئيس محمود عباس، فى حركة فتح. سوف يكون سلاح المعارضة المتسللة من بعض قيادات حركة حماس وكوادرها وجمهورها، هو عرض بضاعتها فى مواجهة اعتدال القيادة الحالية، هذه البضاعة التى تعتمد على التشدد والتطرف تجاه المحاولات المحلية والدولية للتوصل إلى هدوء واستقرار فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، والتعنت والرفض تجاه محاولات التوصل لتفاهم ومصالحة بين الأطراف الفلسطينية. تترافق هذه المؤشرات والتصريحات التى نشهدها ونسمعها، ربما على خجل، من قيادات وكوادر الفصيل الآخر. هل ستتحول المواجهة فى المنطقة إلى حرب أهلية ومواجهات، وانشقاقات داخل الفصائل والأحزاب الفلسطينية؟ لمزيد من مقالات مروان كنفانى