لسنا بحاجة إلى طول بيان أو اثبات لما تتعرض له آثارنا وموروثاتنا المعمارية والأثرية من عمليات تشويه كما حدث ويحدث للعديد من تماثيل الرواد والزعماء، بل وما يحدث للعديد من المبانى الأثرية التى باتت مأوى للحشرات ولكل ما هو قبيح من الأفعال والسلوكيات. إلى جانب اتخاذ الموقف المعادى من جانب دعاة الردة والتخلف من الآثار والتماثيل، والدعوة إلى إزالتها وهدمها. وغيرها من الأعمال والتصرفات والسلوكيات التى تروج لها ثقافة الجمود والتخلف فى الكثير من الميادين والمجالات خاصة التعليمية منها، حيث لا نعدم وجود مثل هذه الثقافة، والتى تعمل فى مجملها على مناهضة القيم، والموروث الحضارى الذى به تتميز مصر وتتفرد. ولم لا؟ ومصر هى الحاضن الطبيعى لأعظم وأروع وأكبر ما تمتلكه البشرية من آثار وتراث إنسانى حضاري، مما جعل منها متحفاً طبيعياً كبيراً به تباهى مصر وتفاخر، وبه توصف وفى كل بلدان العالم بأم الدنيا، وهى الوحيدة التى يحتل تاريخها القديم موقعه المهم فى المناهج الدراسية فى كل هذه البلدان بل وتخصص لهذا التاريخ برامج شبه يومية فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، لأنها فقط الثرية فى تنوعها الحضارى والثقافى بما شيدته الأيادى المصرية، أو بفعل الحضارات والديانات التى تعاقبت عليها، وخلفت وراءها تراثاً حضارياً عينياً ثرياً، به تختص مصر وتنفرد وأيضاً لم لا؟ وأنه وبالرغم من ثراء وغنى مصر فى هذا المجال فإنه لم يستخرج من باطنها حتى الأن وبشهادة الثقة زاهى حواس - أكثر من 30% مما هو فى باطن الأرض من هذه الآثار، ناهيك عما تم تهريبه، وسرقته ونهبه من آثار، وغيرها من الحقائق التى باتت من البديهيات ولا تحتاج منا إلى بيان أو طول فى الاثبات. وهذا وغيره يفرض على كل المؤسسات المعنية ببناء الانسان المصرى وفى القلب منها التعليم بمختلف مراحله ومستوياته وأنواعه فى ضرورة العمل على اكساب الفرد مفاهيم وقيم وأخلاقيات الثقافة الأثرية والمعمارية والحضارية وما يتعلق بها من معارف ومعلومات، وتشكيل الاتجاهات الايجابية ووعيه الصحيح بالموروثات الأثرية والمعمارية. وفى هذا السياق فإننا نرى ضرورة : أن تتضمن المناهج الدراسيةوفى كل المراحل التعليمية موضوعات محددة عن الموروث الحضارى والمعمارى لمصر فى مختلف العصور، تكشف قيمتها ووجهها الحضارى والإنساني، على أن يشارك فى وضعها خبراء الآثار وأن تتم صياغتها وتدريسها بأسلوب آخاذ وجاذب للتلاميذ والطلاب. وأن يتم وضع منظومة من القيم المعمارية والحضارية وكيفية الحفاظ على التراث المعمارى المصري، والعمل على إكسابها للمتعلمين وتشربهم هذه القيم والأخلاقيات. أن تتم ترجمة هذه المنظومة إلى واقع عملى ممارس من خلال الرحلات والأنشطة المدرسية المنظمة للمناطق والمتاحف الآثرية والتراث المعمارى والحضاري، وهنا نؤكد أهمية تنظيم رحلات للمساجد والكنائس للتلاميذ والطلاب للوقوف على جوانب الإبداع فى هذه المؤسسات الدينية، وقيم الإخاء والمحبة والتسامح مما ينعكس بالضرورة على سلوكياتهم واتجاهاتهم وتعميق قيم المواطنة. مشاركة التلاميذ والطلاب فى عمليات تنظيف وترتيب المنشآت الأثرية والمعمارية مما يغرس فيهم حب هذه الآثار والحفاظ عليها. وإذا كان مطلوباً نقل التلاميذ والطلاب إلى الأماكن الأثرية والمعمارية فإنه بالإمكان نقل بعض المقتنيات واللوحات إلى المدارس والجامعات لتزيين واجهات الفصول والمدرجات، وليتعودوا رؤيتها والاعتزاز بها. العديد من الأدوار التى يمكن أن تقوم بها المؤسسات التعليمية فى غرس الثقافة الأثرية والمعمارية، ونشرها بين التلاميذ والطلاب، ويمكن طرح المزيد منها، وتفعيلها من خلال التنسيق بين المسئولين عن الثقافة والآثار وعن المؤسسات التعليمية بمختلف المراحل ما قبل الجامعى والجامعي. لمزيد من مقالات د. محمد سكران