ظل الفقر معضلة جوهرية تواجه الأمة الصينية لمئات السنين، ولم تفلح محاولات عديدة فى الماضى فى انتشال الصينيين من هاوية الفقر لأسباب مختلفة. وعندما تأسست جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، كان من أهداف الصين الجديدة تحسين حياة الشعب الصينى الذى عانى طويلا من الجوع والفقر والجهل، وانتهجت الصين سياسات مختلفة لتحقيق هذا الهدف ولكن النتائج كانت أقل من المأمول كثيرا، فعندما تبنت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح سنة 1978، كان عدد الفقراء فى المناطق الريفية حوالى 770 مليون نسمة يمثلون حوالى 96% من إجمالى سكان الريف. فى ثمانينات القرن الماضي، وضعت الصين خطة لتخفيف الفقر فى المناطق الريفية ضمن الإستراتيجية الشاملة للتنمية الوطنية، ووضعت الحكومة برامج خاصة لمساعدة الفقراء، مثل «خطة الدولة للقضاء على الفقر بحزم وعزم» فى عام 1994، «ومنهاج مساعدة الفقراء من خلال التنمية فى المناطق الريفية من عام 2001 إلى عام 2010»، «والمنهاج الوطنى لخطة مساعدة الفقراء من خلال العلوم والتكنولوجيا للفترة من عام 1996 إلى عام 2000»، «وخطة مساعدة تنمية القوميات الأقل عددا من عام 2005 إلى عام 2010»، «والمنهاج الصينى لمساعدة الفقراء من خلال التنمية فى المناطق الريفية من عام 2011 إلى عام 2020» وغيرها. كما أنشأت الحكومة هيئة قيادية خاصة لمساعدة الفقراء من خلال التنمية، وزادت المخصصات المالية للتخلص من الفقر. فى نوفمبر عام 2015، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى ومجلس الدولة الصينى «القرار بشأن خوض الحرب الحاسمة للتخلص من الفقر» الذى يهدف إلى القضاء على الفقر فى المناطق الريفية بحلول عام 2020 بقوة كل من الحزب والمجتمع. وقد أثمرت تلك الجهود، ففى عام 2015، انخفض عدد الفقراء فى المناطق الريفية إلى حوالى 56 مليونا، ما يعنى أن أكثر من سبعمائة مليون فرد فى المناطق الريفية تخلصوا من الفقر، برغم رفع خط الفقر من 206 يوانات «الدولار الأمريكى يساوى 6.9 يوانات» إلى 2800 يوان فى عام 2014. تؤمن الصين بأن التنمية هى السلاح للانتصار فى معركة مكافحة الفقر. وقد شدد المؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى على أن التنمية هى الأساس والمفتاح لحل جميع المشكلات فى الصين، وعلى جعل التنمية المهمة الأولى للحزب الشيوعى الصينى فى ممارسة السلطة والنهوض بالوطن بثبات لا يتزعزع. إن الحزب الحاكم يفقد أساس حكمه إذا لم يأخذ تنمية البلاد والأمة كالمهمة الأولى. ومنذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، وخاصة منذ المؤتمر الوطنى الثامن عشر للحزب الشيوعى الصينى، حققت الصين إنجازات تاريخية فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. دفع التنمية السلمية مطلب حتمى لتحقيق انتصار حاسم فى إنجاز بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل، وتحقيق حلم الصين المتمثل فى النهضة العظيمة للأمة الصينية، ولا يمكن تحقيق هذا أو ذاك من دون القضاء على الفقر. إن بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل وبناء الصين كدولة اشتراكية حديثة على نحو شامل وتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، يعتمد على التنمية. وكما قال الرئيس شى جين بينج، إذا لم يستطع مجتمع الحياة الرغيدة حل مشكلات المناطق الريفية، وخاصة الفقيرة منها، فإنه ليس مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل. لقد قال الزعيم الصينى الراحل دنج شياو بينج، إن الفقر ليس اشتراكية. على مدار أربعين سنة من تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، على الرغم من أن حياة الشعب الحالية ليست غنية للغاية، فإن مسيرة التحول الهائل من الفقر المطلق إلى الثراء نسبيا أثارت اهتمام العالم، وتثبت أن الاشتراكية يمكن أن تجعل الناس أغنياء فى وقت ليس طويلا. والاشتراكية ذات الخصائص الصينية يمكن أن تضمن تمتع جماهير الشعب بحياة رغيدة فى أقرب وقت ممكن. فى المؤتمر المركزى للعمل الاقتصادى الذى عقد فى نهاية عام 2017، أشار الرئيس شى جين بينج، وهو الأمين العام للحزب الشيوعى الصيني، إلى أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت إلى العصر الجديد، وأن التنمية الاقتصادية الصينية دخلت أيضا إلى عصر جديد ملمحه الرئيسى هو انتقال اقتصاد الصين من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية العالية الجودة. إن دفع التنمية العالية الجودة شرط ضرورى للحفاظ على التنمية الاقتصادية المستدامة والصحية، وشرط ضرورى للتكيف مع تغيير التناقض الاجتماعى الرئيسى فى الصين وبناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل وبناء الدولة الاشتراكية الحديثة على نحو شامل. وفى التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصيني، قال شى جين بينج: «تماشيا مع دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية إلى العصر الجديد، تحول التناقض الاجتماعى الرئيسى فى بلادنا إلى التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة أفضل والتنمية غير المتوازنة وغير الكافية. إن الهدف النهائى للتنمية الاقتصادية العالية الجودة هو تلبية حاجة الشعب إلى حياة أفضل. فى نوفمبر 2013، أثناء جولة تفقديه له فى مقاطعة هونان، طرح الرئيس شى «برنامج مساعدة الفقراء بتدابير دقيقة هادفة»، وقال: «علينا أن نتبنى برنامجا دقيقا هادفا لمساعدة الفقراء، لا أن نرفع شعارات جذابة أو نضع أهدافا تفوق قدرتنا الحقيقية.» وفى نوفمبر 2015، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى ومجلس الدولة الصينى «القرار حول كسب المعركة الحاسمة لأعمال القضاء على الفقر»، الذى حدد إستراتيجية الأعمال الدقيقة الهادفة لمساعدة الفقراء. يطالب هذا القرار باتخاذ كافة الإجراءات للقضاء على الفقر، ومن ذلك تطوير الصناعات ذات المزايا الخاصة، وتوجيه انتقال الأيدى العاملة إلى مناطق أخرى، والجمع بين حماية البيئة الإيكولوجية والقضاء على الفقر وإعادة توطين الفقراء فى المناطق الأخرى على أساس المعرفة الدقيقة لأحوال الفقراء الواقعية، وضرورة وضع معايير دقيقة للعمل، ومنها الحصر الدقيق للفقراء والتخطيط الدقيق للمشروعات والاستخدام الدقيق للمال والتوظيف الدقيق للموظفين المعنيين بمساعدة الفقراء وفقا لأحوال القرى الفقيرة، والتحقيق الدقيق لإنجازات مساعدة الفقراء. فضلا عن ذلك، إكمال نظام رعاية المعاقيين والأطفال والنساء والمسنين الذين يتركهم أهلهم وحدهم فى المناطق الريفية من أجل الذهاب للعمل فى المدن. لقد أثمرت جهود الصين فى التخلص من الفقر، ففى عام 2017 فقط، انتشلت الصين ما يقرب من ثلاثة عشر مليون نسمة فى المناطق الريفية من هاوية الفقر، لتقلص مستوى الفقر العام لديها 3.1% من إجمالى سكان البلاد، وليصل عدد الصينيين الذين تخلصوا من الفقر فى الفترة من عام 2012 حتى عام 2017 إلى حوالى 69 مليون فرد، وفقا لبيانات مصلحة الدولة للإحصاء فى فبراير 2018. الصين مازال بها حوالى ثلاثين مليون نسمة تسعى إلى انتشالهم من الفقر، بحلول عام 2020 الذى حددته موعدا نهائيا للتخلص تماما من الفقر، لتضيف إلى سجلها إنجازا آخر غير مسبوق فى تاريخ البشرية.