يؤصل قانون الدولة القومية الذى أقره الكنيست الإسرائيلى مؤخرًا، لأركان دولة عنصرية بامتياز فى اسرائيل، على نحو يفوق بكثير نظام الفصل العنصرى «الأبارتايد»، الذى حكم جنوب إفريقيا لأكثر من نصف قرن، قبل أن ينجح المناضل الأممى الراحل نيلسون مانديلا فى إسقاطه. وينص قانون «الدولة القومية» الجديد، على أن إسرائيل «هى الموطن التاريخى للشعب اليهودى، وعاصمتها القدس الموحدة»، متجاهلًا ليس فحسب مبادرة السلام العربية التى أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز، فى قمة بيروت عام 2002، وإنما أيضًا كل قيم المساواة والديمقراطية، التى طالما تشدقت بها دوائر الإعلام الصهيونية لعقود، صورت خلالها دولة الكيان باعتبارها «أرض الأحلام» ، بل ونفر قليل من أبناء منطقتنا العربية، ومن بينهم مثقفون وكتاب، كانوا ملء السمع والبصر، قبل أن تلفظهم الذاكرة الشعبية، بعد تورطهم فى جريمة التطبيع. لا يمنح قانون «الأبارتايد» الإسرائيلى الجديد اليهود فقط حق تقرير المصير فى إسرائيل، وجميع حقوق المواطنة، ويمنعها عن غيرهم من المسلمين والمسيحيين، وإنما يحط أيضًا من شأن اللغة العربية، باعتبارها أحد محددات الهوية لنحو مليونى فلسطينى، وهو ما يؤشر بوضوح شديد، إلى كونه قانونًا لدولة تقوم على التمييز والفصل العنصرى. ولا عجب من أن تصمت الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو المنظمات الأوروبية الأخرى المعنية بحقوق الإنسان، إزاء مثل هذا القانون العنصرى، رغم ما يمثله من انقلاب كامل، على ما رسخ طوال عقود فى الأدبيات السياسية لمنظومة حقوق الإنسان فى العالم، ذلك أن القانون يأتى تتويجًا لحزمة من القرارات والإجراءات التى نفذتها دولة الكيان بالفعل على مدار أكثر من ثلاثة عقود، ضربت خلالها بكل الأعراف والقوانين الدولية عرض الحائط، ضمن خطة ممنهجة بدأت بإقامة المستوطنات، ثم «الجدار العازل» فى العام 2005، ذلك الجدار الذى وصفته محكمة العدل الدولية، بأنه جزء من سياسة فصل عنصرى بامتياز، فى تحدٍ سافر لقرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية، وعلى نحو يجرد منظومة حقوق الإنسان فى العالم من كل مصداقية. غير أن ما يثير العجب حقًا، هو ذلك الصمت العربى المريب، إزاء صدور مثل هذا القانون، بعد قرار ادارة ترامب الاخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وهنا يبرز التساؤل: الى متى يستمر الصمت العربى والى متى يستمر صمت كثير من مؤسساتنا الإقليمية والدولية، وخاصة الجامعة العربية، والمنظمة الإسلامية، التى بات يتعين عليها، فضح ما تقوم به دولة الكيان من انتهاكات واضحة لجميع القواعد والقوانين والأعراف الدولية، وما يمثله قانونها الجديد من تأصيل لفكرة «دولة دينية يهودية خالصة»، على ما تعنيه هذه الفكرة من خطر، فى منطقة تموج بتيارات فكرية شديدة التطرف، وإرهاب عابر للحدود. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى