انطلقت هذا الشهر المفاوضات السنوية بين الحكومة واتحاد الشغل في تونس حول الأجور. وهي مفاوضات يدخل على خطها اتحاد الأعراف ( رجال الأعمال والصناعة ) عندما تنتقل من مربع أجور العاملين بالدولة ( نحو 700 ألف موظف ) الى أجور العاملين بالقطاع الرسمي الخاص والمنظم في اتحاد الأعراف ( نحو ثلاثة اضعاف الرقم السابق) . وقبل أيام أعلن البنك الدولي قرضا جديدا بقيمة 500 مليون دولار لدعم الاقتصاد التونسي . وبعدها وافق صندوق النقد الدولي بعد مراجعة دورية لملف تونس الافراج عن نحو 250 مليون دولار بمثابة قسط رابع لقرض على اربع سنوات قيمته 2٫9 مليار دولار . وفي تونس أسفرت التطورات الدولية وعلى ضوء أحوال الاقتصاد الداخلية عن قراءتين : الأولى ترى فيها مؤشرات على التعافي والثانية تحذر من تكلفة « إصلاحات « الهيئات الدولية على التونسيين. ومن يتابع عن كثب مجريات الاقتصاد السياسي بتونس يلاحظ أن البلاد ومؤسساتها السيادية من حكومة وبرلمان وأيضا النقابية تعرف أعلى منسوب للجدل حول الاقتصاد في مناسبتين اثنتين دوريتين كل عام .وهذا عدا الأحداث الطارئة كالانخفاض المفاجئ في قيمة العملة أو موجات الغلاء .وهما : قبل بداية كل عام جديد مع مناقشة وإقرار البرلمان لميزانية الدولة و بحلول شهر يوليو مع الدخول الى المفاوضات حول زيادات الأجور ،والتي يطلق عليها بتونس « المفاوضات الاجتماعية «.وفي كلا الحالتين فإن الأطراف المختلفة تستخدم أوراق الضغط المتاحة لها لتحسين موقفها التفاوضي . وقد لا يخلو الأمر أحيانا من استخدام «الشائعات» مثل الزعم بأن الدولة على وشك العجز عن دفع رواتب موظفيها. و هو ما يثبت المرة تلو الأخرى عدم صحته. وتراهن الحكومة على جملة مؤشرات إيجابية في تحسن الاقتصاد . وهي مؤشرات تعززها التقارير الدولية بما في ذلك الصادرة أخيرا من الصندوق والبنك . وأهم هذه المؤشرات هي ارتفاع نسبة النمو الى 2٫7 في المائة هذا العام بعدما سجلت على مدى السنوات المعدودة السابقة نسبا صفرية أو بالسالب أو لا تتجاوز الواحد في المائة . كما هناك رهان واضح على تعافي قطاع السياحة بعد النجاحات الملموسة في مكافحة الإرهاب اعتبارا من خريف 2015.وتوقعت وزيرة السياحة «سلمي اللومي» أن تونس ستتجاوز هذا العام عتبة استقبال 8 ملايين سائح .وقد حققت البلاد في النصف الأول لهذا العام وفق ما قدمته من معطيات زيادة في عائدات السياحة بنسبة 46 في المائة بالعملة المحلية و 25 في المائة بالعملة الأجنبية ،وكذا في أعداد السائحين بنسبة 26 في المائة مقارنة بنفس الفترة عن العام السابق .كما حققت عام 2017 زيادة بنسبة 23 في المائة من عائدات السياحة بعدما قفز عدد السائحين حينها الى نحو ستة ملايين ونصف المليون . كما أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد في 27 يونيو الماضي أن النصف العام الأول هو الأفضل على مستوى التصدير لتونس منذ عام 2008 ، أي على مدى عشرية كاملة. ويعزى ذلك على نحو خاص إلى تحسن الإنتاجية وفرص تصدير الفوسفات وزيت الزيتون والتمور وغيرها . ويقول خبراء الاقتصاد بتونس ل «الأهرام» إنه رغم الصعاب فإن الاقتصاد التونسي يتعافى ويحقق نجاحات في العديد من المجالات بشهادة التقارير الدولية . و يرون أن اعلان البنك الدولي أخيرا قرضا جديدا لتونس بنصف مليار دولار وافراج صندوق النقد بدوره عن شريحة جديدة ( هي الرابعة ) بقيمة 250 مليون دولار هي شهادات ثقة بسلامة الاقتصاد التونسي وقدرته على الوفاء بالتزاماته الدولية. ويشيرون الى أن هذه القروض بفائدة ميسرة تدور حول الاثنين في المائة. لكن بين هؤلاء الخبراء من يقول « للأهرام « أيضا إن الضبابية السياسية المحيطة بمصير حكومة الشاهد و كثرة تغيير الحكومات على مدى السنوات الماضية تؤثر على فرص اقدام المستثمرين للعمل بتونس . ويري هؤلاء بدورهم أن غياب إدارة قوية يحول دون اتخاذ الإصلاحات الضرورية اللازمة لاستكمال تعافي الاقتصاد التونسي .كما يشيرون الى ما يعتبرونه دورا سلبيا لاتحاد الشغل يعيق المضي في اصلاح الاختلالات المالية . سهام معارضي سياسات الحكومة الاقتصادية سواء من اتحاد الشغل أو الأحزاب والشخصيات اليسارية تتلخص في القول بغياب إرادة للتحول الى نمط مختلف في التنمية عما كان سائدا قبل الثورة . وهنا فإن المطالبات تشمل قيادة الدولة لمشروعات تنمية في المناطق الداخلية المحرومة والاقلاع عن الرهان على الاقتصاد الريعي والتوجه الى مشروعات انتاجية . وفي كل الأحوال ، فإن انطلاق المفاوضات الاجتماعية بين الحكومة واتحاد الشغل ناهيك عن الجدل حول توافر أو غياب القدرة النسبية في مقاومة شروط هيئات التمويل والاقراض الدولية هي سمات للتجربة التونسية مازالت محل اختبار اليوم ومستقبلا .