أنا شيخ تجاوزت سبعين عاما وكانت حياتي الزوجية سلسلة من الأخطاء ارتكبتها في حق زوجتي وابنائي, حتي اصبحت علاقتي بهم علاقة رسمية لاشئ فيها من المودة والرحمة. فلقد ورثت عن أبي ثروة لابأس بها أودعتها بالبنوك في صورة ودائع بنكية وشهادات استثمار تدر علي دخلا شهريا كبيرا, وبرغم ذلك فإني قترت علي بيتي واسرتي فلم أعط زوجتي في أي وقت مصروفات البيت أكثر من راتبي من الوظيفة التي كنت أشغلها ولا شأن لي بعد ذلك بكيفية تدبيرها شئون البيت والاولاد, برغم اننا من أسرة ثرية ولها مظهرها الاجتماعي, وكان هذا بتحريض من شقيقاتي اللاتي ناصبنها العداء منذ خطبتي لها حتي انهن كن يثرن ثورة عارمة عندما اشتري لها بعض الحلي والهدايا في فترة الخطبة واصبح عليها تدبير احتياجات المنزل بعد الزواج من مرتبي ومرتبها ودخلها من ارثها عن والديها, فقد كانت تعمل في جهة مرموقة وتحصل علي مرتب كبير وبرغم انها قالت لي كثيرا إن ماتنفقه لا يكفي لمصروفات البيت اكثر من اسبوع إلا أني اصررت علي موقفي وشجعتني عليه شقيقاتي بدعوي ان هذا ما يقدمه ازواجهن لهن برغم أن كلا منهن كان زوجها يعطيها كل دخله الذي يحصل عليه من راتبه, وهو لا يملك غيره, إنني لم أسأل نفسي يوما كيف توفر زوجتي احتياجات المنزل واحتياجاتها الشخصية من ملبس وزينة وعلاج.. بل إني احيانا كنت ارفض دفع قيمة الدروس الخصوصية لأولادي بدعوي انني ألحقتهم بمدارس خاصة بمصروفات كبيرة. أما بالنسبة لي فكنت اغدق علي نفسي أفخر الثياب من أغلي الماركات العالمية وبكميات غير عادية واركب احدث السيارات الفاخرة وقد اشتريت لزوجتي سيارة صغيرة ذرا للرماد في العيون ومع ذلك كنت كثيرا ما اشاركها في استعمالها. وفي حالة تلف اي شئ في المنزل أرفض تجديده او إصلاحه, باعتبار أن ذلك يقع في مسئوليتها.. واذا احتاجت لعلاج او الذهاب لطبيب فلا شأن لي بهذا برغم انها اصيبت بالضغط والروماتويد, وقال لها الطبيب ان كليهما نتيجة ضغوط نفسية, ولكني لم اعبأ بكل هذا, وكنت أصر علي ان تشتري لي الاطعمة الفاخرة من لحوم وأسماك واذا لم تفعل أثير الشجار وأرفض الطعام وأصب جام غضبي عليها وعلي الأولاد. كما اعشق اقتناء كل شئ حديث وفاخر, ولكني أحرم أولادي وزوجتي من استعماله. ولم يحدث طيلة حياتي الزوجية ان تعاونت معها في تحمل أي مسئولية بشأن الأولاد, أو حتي مجرد توصيلهم من مكان لآخر, أو شراء متطلباتهم ومتطلبات المنزل برغم تركي العمل منذ فترة طويلة, ولم يحدث أن اصطحبتهم في نزهة أو دعوة لعشاء او غداء خارج المنزل فأنا أحرم ذلك عليهم تماما بل لم يحدث ان عدت يوما إلي المنزل في أي مناسبة من المناسبات الدينية أو الاجتماعية ببعض الحلوي أو الاطعمة التي يحبونها, وقد كانت زوجتي هي التي تتولي الانفاق علي هذه الأشياء دائما. وقد قالت لي اكثر من مرة ان الله سيحاسبني حسابا شديدا علي التضييق عليهم بهذا الشكل الا انني لم أعبأ لكلامها حيث كنت اعتقد اني أؤدي ما علي من فرائض, وقد حججت عشر مرات وأديت العمرة اكثر من ثلاثين مرة منها أكثر من عشر مرات طول شهر رمضان سنويا, ثم توقفت عن الاعتراض منذ فترة طويلة وركزت اهتمامها في المنزل والأولاد واهملتني تماما. وفجأة راجعت نفسي ووجدتني قد قصرت في حق زوجتي وأبنائي تقصيرا شديدا, وأن عقاب الله سيكون شديدا. إنني اريد أن اكفر عما ارتكبته في حقهم, فهل تري هناك بارقة أمل.. في إصلاح أحوالي مع أسرتي بعد هذا العمر الطويل؟. وأقول لكاتب الرسالة: ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا.. هذه الآية الكريمة هي مفتاح الحياة السليمة, ولو أنك التزمت ياسيدي بهذا المبدأ الإسلامي لما وصلت إلي ما أنت فيه من الحسرة والندم.. فلقد تصورت أنك بتقتيرك علي أسرتك سوف توفر لنفسك المال الذي يلبي كل ملذاتك, ونسيت أن السعادة مسألة نسبية, وأن الاقتناع والرضا هما طريق الفلاح والنجاح والطمأنينة والسعادة. أما زوجتك فلقد كانت أكثر منك حكمة وحافظت علي بيتها وواجهت تقتيرك عليها بالاقتناع بما في يديها, وحاولت قدر إمكانها توفير متطلباتك التي غاليت فيها عندا وغطرسة, ولذلك كسبت نفسها وأولادها الذين نشأوا علي قاعدة تربوية سليمة. لقد وجدت ياسيدي بعد هذا العمر الطويل أن شمسك قاربت علي الغروب, وأن أخطاءك التي ارتكبتها في حق أسرتك استندت فيها إلي حجة واهية, وهي أن شقيقاتك كن يحرضنك علي التقييد علي زوجتك وأولادك, وبالطبع فإن الرجل العاقل لا ينساق إلي أهواء من حوله حتي لو كن شقيقاته, وإنما يجب عليه أن يضع الأمور في نصابها الصحيح, ويوازن بين متطلبات أسرته في حدود إمكاناته بعيدا عن تأثير الآخرين. وهذا التراجع من جانبك لا يعفيك من المسئولية عن سنوات الحرمان التي قاساها أبناؤك وزوجتك, ومادمت قد عدت إلي رشدك فإن عليك أن تجتمع معهم وأن تعترف لهم بخطئك, وتحاول تعويضهم عما فات تعويضا ماديا ونفسيا, وأسأل الله أن يهييء لك من أمرك رشدا.