قصة ندى ونادين مع الثانوية العامة ليست مجرد قصة نجاح عادية مثل التى نقرأها على صفحات الجرائد.. بل هى تفاصيل تستدعى بقوة التوقف عندها. فالتوءم ندى ونادين شريف أحمد منصور لهما ظروف خاصة لم تمنعهما من التفوق حيث تعانى ندى من فقدان البصر ونادين ترى بعين واحدة رؤية ضعيفة، لكنهما حصلتا على الدرجات النهائية لتصبحا من أوائل الثانوية العامة أدبى هذا العام.. بدأت القصة عندما اتصل الدكتور طارق شوقى وزير التعليم بطبيب العيون د. شريف منصور والد الطالبتين وهو يقود سيارته فى طريقه للمنزل ليهنئه بحصول ابنتيه على الدرجات النهائية وأنهما من أوائل الجمهورية، لم يتمالك الوالد دموع الفرح واستأذن الوزير أن يشرك ابنتيه فى نفس المكالمة ليسمع بنفسه فرحتهما وهو يزف الخبر لهما «مبروك يا ندى حصلتى على 100%» .. قال لها الوزير.. صحيح؟ سألته ندي.. فأجاب: «أه يا بنتي، أنت حتى لم تنقصى نصف درجة.. فين أختك أبارك لها؟ وردت نادين ليقول لها نفس الكلمات: «مبروك.. إنت واختك أوائل الجمهورية يا بنتي.. أنا فخور بكما» وسمع الوزير زغاريد الأم فى المحادثة التليفونية. الأم نجلاء عماد الدين تفرغت لتربية ابنتيها بعد أن كانت تعمل مخططة برامج كمبيوتر.. كانت الأهرام أول من هنأتها فقالت: نعم كنت أتوقع أن ابنتيّ ستصبحان من أوائل الجمهورية وكنت أنتظر تهنئة هاتفية من وزير التعليم.. فقد كانتا متفوقتين طوال سنوات دراستهما.. وطوال هذا العام كان أساتذتهما يتوقعون أن يكونا من أوائل الجمهورية.. واستكمالا لمشهد الفرحة روت الام مسيرة 18 عاما من التفوق فقالت: ندى ونادين ولدتا فى الشهر السادس من الحمل، وقال الطبيب لوالدهما: ندى لن تعيش وطلب منه أن يأخذ القرار بأن يرفع جهاز التنفس الصناعى عنها لأن الأمل كان مفقودا فى أن تستمر حية، ولكن بعد شهرين من خروجها من الحضانة حدث لها انفصال فى الشبكية وفقدت البصر تماما.. وبدأت رحلتى مثل كل أم لديها طفلة كفيفة، أدخلتها مدرسة النور للمكفوفين فى مرحلة الروضة ولكنها كانت لا تريد أن تنفصل عن أختها، فبدأت أبحث عن مدرسة دامجة حتى تكون مع أختها وكنت أشرح لندى المناهج بطريقة تفهمها، فأخذها مثلا الى الحديقة لتلمس كل شيء حولها وأشرح لها يعنى إيه تربة، ورياح، وما هو الملمس الناعم والخشن.. وبدأت تتفوق ولم يتخيل أحد آنذاك أن هذا هو مجهودى وحدي.. وقبل الفصل الدراسى السادس بدأت البحث عن مدرسة أخرى تكون قريبة من منزلنا، والمدرسة الوحيدة التى قبلتهما هى (لاروز دى ليزيه) بعد أن آمنت الدكتورة شيرين مطاوع ونيفين مطاوع مديرتا المدرسة بقدرات ندى ونادين بعد إجراء اختبارات لهما وتبين تفوقهما.. وكان أول من استقبلهما فى المدرسة «ميس سعاد الدويني» مدرسة اللغة الإنجليزية التى غيرت من طريقة شرح الدروس لتلاميذ الفصل بالكامل لتصبح بالسمع وليس بالكتابة. والحمد لله كانت المدرسة تتواصل معى وتساعدنى إيمانا بقدراتهما. وتستكمل الأم: بعد ظهور نتيجة الإعدادية فوجئت بأن إحدى موجهات اللغة العربية مزقت ورقة نتيجة ندى وقالت: «إزاى تكون كفيفة وتحصل على الدرجات النهائية».. فتوجهت الى وكيلة وزارة التربية والتعليم فأصدرت على الفور قرارا بأن تحصل ندى على ما تستحقه من درجاتها، وتم تكريمها فى اليوم التالى وقالت الوكيلة بالنص أثناء التكريم: «يكفينى أن ندى لم تطلب امتحانات مخففة وامتحنت مثل زملائها من المبصرين». وتفوقت نادين ايضا فى هذا العام ولم تنقص ولا درجة واحدة. الأب شريف أحمد منصور طبيب عيون ومدير عيادات مستشفى الطلبة بالجيزة، وهو العمود الأساسى فى نجاحهما -على حد تعبير الأم- فهو الذى يقوم بتوصيلهما للمدرسة والدروس والبروفات والتمارين وهو الذى قام بتنمية هوايتهما فى الموسيقى والغناء، فنادين تعزف على الجيتار والعود وندى تعزف على الأورج وتغنى فى الأوبرا والإثنتان متفوقتان فى السباحة. وغنت ندى أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حفل تحرير سيناء 25 ابريل الماضى وقال لها الرئيس: «تسمحى لى أتصور معك» وكانت لفتة طيبة منه أظهر فيها مشاعر الأبوة عندما صعد على المسرح لتلتقط لسيادته صورة تذكارية مع ندى بعد أن غنت فى الحفل. وأضافت الأم: نادين هى أم ندى الصغيرة هى عيناها التى ترى بهما، هى التى تذاكر لها وعندما سألت ندى عن الكلية التى ستلتحق بها قالت: إما إحدى كليات القمة او كلية التربية الموسيقية.. أما ما كانت تعانى منه فى الدراسة فقالت: منهج التاريخ فهو منهج دسم جدا وتفاصيله كثيرة وكان يرهقنى كثيرا. وسألتها: لماذا لم تطلبى منهجا مخففا وهذا حقك؟ قالت: نصحونى كثيرا بذلك ولكن الحمد لله أننى لم آخذ بتلك النصيحة، ففى التاريخ مثلا كان الفصلان الخامس والسادس ملغيين من المنهج المخفف، ولكن مع ذلك جاء سؤال فى الامتحان من الفصل الخامس مما كان سيؤثر على درجاتي.. فأنا دائما متعودة أن آخذ احتياطاتى .. وأخيرا أشكر والدتى ووالدى على وقوفهما بجانبى أنا وأختي.. فكثيرا كنت ألجأ لوالدى لشرح الدروس وأيضا كل المدرسين وقفوا بجانبى ولم يشعرنى أبدا أحدهم بنقص بل بالعكس كانوا يحفزونني، وأنا فرحانة لأختى أكثر ما فرحت لنفسي. وسألت نادين هل كانت مذاكرتك لأختك عبئا؟ فأجابت: لا لم أشعر أبدا بهذا.. بالعكس تماما كانت أسعد أوقاتنا هى المذاكرة، فقد وضعنا معا هدفنا منذ البداية أن نكون أوائل الجمهورية، وندى كانت تصلح لى أخطائي، وأنا أصلح لها أخطاءها أثناء التسميع.. وكلما تعبنا او مللنا كنا نذكر أنفسنا «عايزين نبقى الأوائل». وقالت: أتمنى أن أدخل كلية الآداب قسم إيطالي.. وأخيرا سألتها السؤال التقليدي: ماذا تنصحين المقبلين على الثانوية العامة قالت: تنظيم الوقت هو أهم عنصر للنجاح وتنمية الهواية أيا كانت.. فأنا عندما كنت أتعب من المذاكرة كنت أذهب درس الجيتار فأعود واستذكر بهمة. وأضافت: ثانوية عامة مش «بعبع» هى سنة مثل باقى السنوات.. صحيح أنها سنة مصيرية ولكن لابد أن تؤحذ الأمور ببساطة بجانب الجدية.