هل تدفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ثمن تبنيها سياسة الباب المفتوح لاستقبال اللاجئين من جحيم الحروب والنزاعات بمنطقة الشرق الأوسط؟ وهل تضحى بمستقبلها السياسى بسبب سياستها الرحيمة واحتضانها لأكثر من 2 مليون لاجئ؟ الكثير من الحلفاء داخل ألمانيا وخارجها تخلوا عنها وسحبوا صكوك المبايعة التى سبق وأن منحوها لها منذ 3 سنوات. مع صباح كل يوم جديد تلوح فى أفق سماء برلين أزمة جديدة تهدد استقرار الائتلاف الحاكم فى ألمانيا وتنذر بخلافات شديدة داخل دول الاتحاد الأوروبي..أزمات لا تنتهى تواجهها المستشارة بسبب اللاجئين وجولات مكوكيه فى الخارج للحصول على دعم سياسى من شركائها فى الاتحاد ولقاءات مكثفة فى الداخل من أجل إقناع شركائها فى الحكم بسياستها. وبالطبع لن تكون أزمتها مع شريكها الرئيسى وأكبر داعميها هوريست زيهوفر وزير داخليتها ورئيس الحزب البافارى الأخيرة.. بل ربما هى بداية قوية لسلسلة من الأزمات. كما كشفت أيضا أزمة زيهوفر التى لم تستمر طويلا بتراجعه عن الاستقالة عن حجم الفجوة الخلافية بين شركاء الحكم فى قضايا جوهرية وحساسة لا تهدد فقط استقرار ألمانيا وحدها بل قد تؤدى أيضا إلى تفكك دول الاتحاد الأوروبى بين من يريدون الحفاظ على فتح الحدود وأولئك الذين يريدون تقييد عدد المهاجرين الذين يدخلون التكتل.وهذا ما أكدته المستشارة ميركل الأربعاء الماضى أمام البرلمان وقالت إن التعامل مع قضية الهجرة واللجوء سيحدد استمرارية الاتحاد الأوروبى نفسه. ولكن ما الذى فجر هذه الخلافات الآن تحديدا بين أكبر حزبين فى ألمانيا وهما المسيحى الديمقراطى الذى تترأسه ميركل والمسيحى الاجتماعى الذى يترأسه زيهوفر.. خاصة وأن سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين لم تتبناها ميركل اليوم بل بدأت منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وتحديدا خلال عام 2015؟. الخلاف تفجر تحديدا عندما تصدت المستشارة ميركل لخطة وزير داخليتها التى تهدف إلي تقييد سياسة اللجوء، ورفضت ما طرحه زيهوفر بضرورة إعادة اللاجئين المسجلين فى بلد آخر من دول الاتحاد الأوروبى عندما يصلون إلى حدود ألمانيا.. بل هددها بأن يفرض تدابير صارمة على الحدود ما لم تغير سياستها.. وهو الأمر الذى رفضته ميركل تماما لأنه ينسف مبدأ حرية التنقل التى يكفلها الدستور الأوروبي.. وخشية أن يؤدى هذا الإجراء إلى قيام دول الاتحاد باتخاذ تدابير مماثلة.. مما يخلق أزمة قد تؤدى إلى زيادة الخلافات الأوروبية حول المهاجرين. ولأن ميركل لا تريد الانهيار لحكوماتها فقد اتفقت مع وزير داخليتها هورست زيهوفر على تشديد الرقابة على الحدود، وإقامة ما يسمى «بمراكز عبور» على المعابر الحدودية مع النمسا. حيث تستقبل طالبى اللجوء المسجلين لوقت قصير، بعدها يتم إبعادهم للدول الأوروبية المعنية التى تم تسجيلهم فيها لأول مرة عند دخولهم دول الاتحاد..غير أن تفعيل هذه الاتفاقية مرهون بموافقة النمسا أولا، ثم باقى دول الاتحاد الأوروبى بحيث تتم عملية إبعاد طالبى اللجوء من ألمانيا بشكل توافقي.. وهنا بالفعل جاء رد النمسا سريعا حيث حذرت حكومتها فى وقت سابق من أنه فى حال أقرت الحكومة الألمانية الاتفاق الذى تم التوصل إليه بشأن مراكز اللاجئين بصيغته الكاملة فسنضطر لاتخاذ إجراءات من أجل تفادى أى ضرر للنمسا وشعبها وحماية حدودنا.. وأعربت وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل عن غضب فيينا جراء «عدم التشاور» معها. وقال أيضا المستشار النمساوى سيباستيان كورتس إن فيينا لن تبرم صفقات تلحق أضرارا بأراضيها. واتفق معه فى الرأى أيضا وزير داخليته هربرت كيكل مهاجما ميركل أنه يجب ألا تتحمل النمسا إرث سياسة فتح الحدود لاستقبال اللاجئين. بالطبع هذه التصريحات القوية والحاسمة القادمة من فيينا سوف تضعف الموقف التفاوضى لميركل مع النمسا لإقناع حكومتها بالموافقة على إنشاء مراكز اللاجئين..ولعل هذا تحديدا ما تخوفت منه ميركل حيث صرحت بأن الخلافات التى دبت مع شريكها فى الائتلاف زيهوفر سوف تؤثر بشكل كبير على مفاوضاتها مع دول الاتحاد بشأن اللاجئين. وما زاد المشكلة تعقيدا فى رأى بعض المحللين هو أن الأمر لم يتوقف عند حكومة فيينا بل إن حكومة ألمانيا استقبلت رسائل نفى عديدة من بعض دول الاتحاد لما ذكرته ميركل فى خطابها لرؤساء الأحزاب والكتل الألمانية المشاركة فى الائتلاف الحاكم من أنها أبرمت اتفاقات مع 14 دولة أوروبية خلال القمة الماضية لاستقبال اللاجئين.. حيث نفت التشيك والمجر وجود مثل هذا الاتفاق. وقال رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إن حكومته لم تعط موافقة لميركل على سرعة إعادة طالبى اللجوء. وهنا اغتنم رئيس الوزراء التشيكى أندريه بابيس الفرصة لدعوة أوروبا إلى إغلاق حدودها. وكانت براغ قد أعلنت رفضها القاطع لاستقبال مهاجرين عملا بطرح تقاسم الحصص داخل الاتحاد الأوروبي. وقال بابيس فى بيان له إنه لم يتواصل مع ألمانيا بهذا الشأن، ومن ثم فلن يوقع على هذه الاتفاقات حتى هذه اللحظة، مؤكدا أن التشيك ترفض هذه المفاوضات بصورة قاطعة. ولكن فى مقابل حالة الرفض من بعض دول الاتحاد نجد أن هناك دولا أخرى ساندت ميركل بقوه فى توجهها نحو قضايا اللاجئين، حيث أبرمت مع كل من أسبانيا واليونان اتفاقا مبدئيا لإعادة استقبال اللاجئين المسجلين عندهما والمبعدين من الحدود الألمانية.. وأشار المراقبون إلى دعم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. فهو على غرار ميركل مهتم بالتوصل إلى حل أوروبي، لأنه يخشى على كيان الاتحاد الأوروبي. المراقبون فندوا هذه التوجهات بأن فكرة المستشارة تقوم على حماية أفضل للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.. بجمع لاجئى قوارب الموت القادمين من ليبيا عبر البحر المتوسط فى «مراكز» خاصة فى دول الاتحاد تخضع لشروط مشددة، على أن تحصل الدول المعنية على الوسائل القانونية والإدارية، وكذلك إمكانية اتخاذ «إجراءات داخلية» لمنع اللاجئين (المسجلين فى إحدى دول الاتحاد) من مواصلة رحلتهم إلى دول أوروبية أخري. ولتحقيق هذا الهدف لابد من تعزيز التعاون، وتبادل المعلومات بين دول الاتحاد. خلافات داخلية وخارجية يقف وراءها اللاجئون الذين وجدوا فى دول أوروبا ملجأ آمنا لهم ولأسرهم من جحيم حروب غيرت مصائرهم، وقضت على أحلامهم.. وكان للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل الفضل فى إقناع شركائها فى الاتحاد باستقبالهم وفتح حدودهم .. هذه السياسة «الرومانسية» خاضت ميركل بسببها العديد من الحروب الداخلية والخارجية. و فقدت العديد من الأصدقاء والحلفاء الداعمين لها..فهل ستضحى ميركل بمستقبلها السياسى الذى أصبح مهددا من شركائها فى الحكم، أم سوف تخوض حربا من أجل البقاء؟ هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القليلة المقبلة.