كل ما نشاهده، منذ قرار ترامب الانسحاب الأحادى الجانب من الاتفاق النووى مع إيران، لا يعدو أن يكون مجرد مناوشات لنُذُر لم تبدأ بعد، ربما تسفر عن إعادة صياغة، يصعب من الآن تقدير اتجاهها ومداها، لجانب من العلاقات الدولية التى تمنح أمريكا وضعاً مميزاً منذ الحرب العالمية الثانية. فهل تكون النتيجة تعزيزاً لهذه المكانة أم الحد منها؟ وإلى أى مدى فى الحالتين؟ ولعل أهم المؤشرات، أنها جاءت، ليس من جانب المتضررين من هذه الصيغة، وإنما من حلفاء أمريكا المباشرين خاصة الأوروبيين، حتى إذا كان استنكارهم على استحياء، وهم الذين دأبوا طوال أكثر من 70 عاماً على أن يظل الحوار بينهم وبين أمريكا كحلف واحد فى غرف مغلقة. ولكن مشيئة ترامب هذه المرة أن يخرج الخلاف إلى الرأى العام العالمى بلا أى رتوش أو تجميل! فهل هو تهور غير محسوب من ترامب؟ أم أنه تحديد مقصود من إدارته بتأثير فئة قوية، من مساعديه ومؤيديه، قادرة على التدخل فى صناعة القرار أو التأثير بإمكانياتها فى تشكيله؟ وهل وصلت غطرسة القوة لدى هذه الفئة إلى حد تعمد أن يكون إحراج الحلفاء الأساسيين لأمريكا علنيا، بتجاهل نصائحهم المعلَنة، ثم اتخاذ قرار يتناقض مع مصالحهم، ثم العمل على إجبارهم على الأخذ به، ثم فرض عقوبات عليهم إذا كان لهم اختيار آخر؟ فهل قررت إدارة ترامب أن تعلن أن هذه طريقتها الجديدة فى إدارة العالم، وأن تضرب المثل بأقرب المقربين حتى يتعظ الآخرون؟ حلفاء أمريكا فى موقف صعب، لأن استقلال قرارهم لتحقيق مصالحهم، وبما يصون تاريخهم الحضارى والسياسي، تبين لهم أنه مجرد فكرة تجد صعوبة فى التجلى العملي! يكفى أن شركاتهم الضخمة متداخلة بشدة فى النظام الأمريكي، سواء فى شراكات أكبر، أو فى تعاقدات تمويل قديمة وممتدة فى المستقبل، وأن إدارة ترامب تملك أن تفرض على منظومتها قرارات المقاطعة وماشابهها، بما يضع شركات حلفاء أمريكا فى حرجٍ، إن هى استمرت مع إيران وقعت تحت طائلة العقوبات الغليظة، وإن هى انسحبت من إيران ضربتها خسائر فى الاقتصاد وفى الكبرياء الوطنية!