عاد السياسى المخضرم مهاتير محمد – 92 عاما - إلى واجهة الحياة السياسية الماليزية مجددا بعد غياب نحو 15 عاما، ليصبح سابع رئيس لوزراء ماليزيا. وجاءت عودة مهاتير الثانية إلى الحكم بعد أن تمكن تحالف المعارضة المسمى “الأمل” الذى أصبح ينتمى إليه من هزيمة تحالف الجبهة الوطنية “باريسان” الوطنى الماليزى بزعامة منافسه نجيب عبد الرزاق الذى تورط فى فضيحة فساد كبيرة. وفاز ائتلاف المعارضة بالانتخابات البرلمانية التى أجريت فى 9 مايو الجارى ب113 مقعدا، فى حين فاز الائتلاف الحاكم ب79 مقعدا، من مجموع عدد مقاعد البرلمان البالغة 222 مقعدا. واستند مهاتير فى عودته إلى تاريخ حافل بالنجاحات، بعد أن قاد ماليزيا لتحقيق نهضة اقتصادية كبيرة فى فترة حكمه الأولى من 1981 إلى 2003، والتى تعد أطول فترة لرئيس وزراء فى ماليزيا، وكذلك من أطول فترات الحكم فى آسيا. تميزت فترة حكم مهاتير الأولى بالنمو الاقتصادي، بعد أن فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية، وأصلح نظام الضرائب، وخفض التعريفات الجمركية، وقام بخصخصة عدة مؤسسات تابعة للدولة، وذلك فى الوقت الذى أتاح فيه فرص التعليم لجميع أبناء الشعب الماليزي. وعقب العودة إلى منصبه، تعهد مهاتير بتولى رئاسة الوزراء لمدة عامين فقط، على أن يتنازل بعدها عن منصبه لصالح زعيم المعارضة ومنافسه السابق أنور إبراهيم، الذى خرج من السجن أخيرا بعد عفو ملكي. وكان إبراهيم زعيم المعارضة قد تولى منصب وزير المالية بين عامى 1991 و1998، ونائب رئيس الوزراء فى عهد مهاتير بين عامى 1993 و1998، قبل أن يدب الخلاف بينهما، ويتم عزل إبراهيم من كل مناصبه، ويسجن فى تهم فساد مالى وإداري. وكان مهاتير، وهو الطبيب السابق وأول رئيس وزراء لماليزيا، والذى ينتمى إلى عائلة متواضعة اجتماعيا، قد ربط عودته إلى الحياة السياسية بإنجاز مهمة “تخليص البلاد من مستويات فساد غير مسبوقة”، فى أعقاب اتهامات حاصرت رئيس الوزراء الخاسر عبد الرزاق تتعلق باختلاس نحو 4,5 مليار دولار أمريكى من صندوق التنمية الوطني، منها نحو 700 مليون دولار فى حسابه الخاص. وساهمت تلك الاتهامات فى تراجع شعبية حكومة “رزاق”، بالتزامن مع تحول مهاتير إلى صفوف المعارضة، بعد أن كان من أبرز القيادات التاريخية لحزب منظمة الملايو الوطنية المتحدة “أمنو” الشريك فى التحالف الحاكم. وقرر مهاتير الاستقالة من الحزب الحاكم فى فبراير 2016، قائلا فى حينه إنه من “المخجل أن يرتبط بحزب يدعم مظاهر الفساد فى البلاد”. وجاء أول قرارات مهاتير بمنع عبد الرزاق وزوجته من السفر، مؤكدا أن “هناك دليلا كافيا على أنه يجب التحقيق فى أمور محددة قام بها رئيس الوزراء السابق، وسيتم تطبيق القانون عليه إذا لزم الأمر”. وبعودته إلى سدة الحكم كرئيس لوزراء ماليزيا، أزاح مهاتير ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية – 92 عاما - عن صدارة قائمة زعماء العالم الأكبر سنا، حيث سيكمل مهاتير عامه ال93 فى 20 يونيو القادم، ولكن المرات التى ظهر فيها أمام وسائل الإعلام خلال الانتخابات وما بعدها، أكدت تمتعه بكامل لياقته الصحية والذهنية، مما يعطى اطمئنانا كبيرا لمن انتخبه وأعاده إلى السلطة بعد هذا الغياب. وكان أول قرارات مهاتير، اختيار فريق عمل “انتحاري” لقيادة الملف الاقتصادى لبلاده فى الفترة المقبلة، وكان على رأس قراراته اختيار شخصية من العرق “الصيني” لتولى منصب وزير المالية، واختيار معارض سياسى بارز لتولى حقيبة الدفاع، وكذلك وقع اختياره على محافظة البنك المركزى السابقة ومعها أحد كبار المليارديرات فى ماليزيا، ليكونا من كبار مستشاريه الاقتصاديين. .. فهل تنجح عودة مهاتير فى إعادة البريق إلى النمر الماليزي؟