منذ أن تولى الرئيس شى جين بينج منصبه كأمين عام للحزب الشيوعى الصينى فى نوفمبر2012 ورئيس لجمهورية الصين الشعبية فى مارس 2013، انطلقت الدبلوماسية الصينية إلى آفاق رحبة واقتحمت فضاءات جديدة. خلال هذه الفترة، لم تطرح دولة فى العالم مبادرات على المستوى الدولى والإقليمي، أكثر من الصين. كانت البداية فى سبتمبر عام 2013، عندما طرح السيد شى مبادرة «الحزام والطريق» أثناء زيارته لكازخستان. وفى أكتوبر من نفس العام، وخلال لقائه مع الرئيس الإندونيسي- آنذاك- سوسيلو بامبانج يودويونو، تحدث الرئيس شى عن اقتراح الصين بإنشاء مؤسسة مالية آسيوية، قائلا: «من أجل دعم مسيرة ترابط وتكامل التنمية الاقتصادية فى المنطقة، تقترح الصين إنشاء البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، وتقديم الدعم المالى لتطوير البنى التحتية فى الدول النامية بالمنطقة. وفى نوفمبر 2014، وخلال لقاء السيد شى مع الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، طرح الرئيس الصينى إقامة «نمط جديد للعلاقات بين القوى الكبرى» بين بلديهما. وفى سبتمبر 2015، وأثناء خطابه أمام الدورة السابعة والسبعين للأمم المتحدة، قال شى جين بينج: «فى الوقت الذى تدخل فيه الأممالمتحدة عقدا جديدا، دعونا نتحد من أجل تحقيق مزيد من التقارب لخلق شراكة جديدة تحقق المنفعة المتبادلة ومجتمع مصير مشترك للبشرية. دعوا الرؤية الخاصة بعالم خال من الحروب ويتمتع بسلام دائم تتأصل فى قلوبنا. دعوا طموحات التنمية والرخاء والعدالة تنتشر فى أرجاء العالم»، لتنطلق دعوة بناء «مجتمع المصير المشترك للبشرية» التى أكد عليها الرئيس شى فى مناسبات محلية وإقليمية ودولية عديدة. ومن منبر الأممالمتحدة فى نفس العام، أعلن الرئيس الصينى عن مبادرة «المئات الست» لمساعدة الدول النامية فى خفض معدل الفقر. وفقا للمبادرة، تتيح الصين للدول النامية خلال خمسة أعوام، مائة برنامج للحد من الفقر ومائة برنامج للتعاون الزراعى ومائة برنامج لتعزيز التجارة ومائة برنامج للمساعدة ومائة برنامج لحماية البيئة ومكافحة تغير المناخ ومائة مستشفى وعيادة ومائة مدرسة ومركز تدريب مهني. وأكد الرئيس الصينى على التضامن والتعاون مع الدول النامية الأخرى، من منطلق الأساس الراسخ للسياسة الخارجية للصين، وأن الصين ستتشارك فرص التنمية مع غيرها من الدول النامية. كما أوضح أن الصين ستربط تنميتها بالنمو المشترك للدول النامية وستربط الحلم الصينى بحلم جميع الشعوب فى الدول النامية من أجل حياة أفضل، والتعاون مع بقية الدول النامية من أجل خلق مستقبل مشرق. وقد طرح السيد شى اقتراحا من أربع نقاط لتوسيع التعاون بين الجنوب والجنوب فى العصر الجديد، يتضمن: أولا، حث الدول النامية على استكشاف مسارات متنوعة للتنمية وفقا لاختيارها المستقل وبما يتفق مع ظروفها، وتقاسم التجارب الناجحة للحوكمة، والتركيز على بناء القدرات واستكشاف إمكانيات التنمية، وحل صعوبات التنمية وتحسين مستوى معيشة الشعب؛ ثانيا، توحيد إستراتيجيات التنمية. ينبغى للدول النامية أن تستفيد بالشكل الأمثل من المزايا التى لدى كل منها، وأن تحسن سياسات الاقتصاد الكلى وتدفع التعاون المتناغم فى مجالات مثل الاقتصاد والتجارة والتمويل والاستثمار وبناء البنية التحتية وحماية البيئة، وأن تحسن قدراتها التنافسية؛ ثالثا، أن تسعى الدول النامية لتحقيق نتائج عملية للتنمية، بأن تركز على صياغة مجموعة من المشروعات ذات الأهمية الإستراتيجية من أجل ضخ حيوية للتعاون بين الجنوب والجنوب. ولتحقيق ذلك، يمكن للدول النامية أن تركز على الترابط والتعاون فى قدرات الإنتاج والاستفادة بشكل كامل من الآليات الجديدة مثل البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية وبنك التنمية الجديد ومجموعة بريكس للأسواق الصاعدة؛ رابعا، بذل جهود منسقة من أجل تحسين الإطار العالمى للتنمية. لابد أن تقوم الدول النامية بتعزيز إصلاح حوكمة الاقتصادى العالمى وتدعيم النظام التجارى المتعدد الأطراف وتوسيع التواصل والتبادل فيما بينها، وبناء مجتمع المصالح المشتركة. وقد لاقت مبادرات الرئيس الصينى استجابة طيبة من معظم دول العالم، فبرغم تباين المواقف الدولية والإقليمية من دعوة الصين لإنشاء البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، اجتمع فى بكين فى الثانى والعشرين من أكتوبر 2014 ممثلو اثنتين وعشرين دولة آسيوية، للتوقيع على مذكرة تفاهم بشأن إنشاء بنك الاستثمار الآسيوى للبنية التحتية، وتم الاتفاق على أن تكون بكين المقر الرئيسى للبنك، وأن يكون «مجلس البنك» أعلى سلطة فيه، ويمكن لمجلس البنك تخويل بعض صلاحياته لمجلس الإدارة حسب النظام الأساسى للبنك، وأن يكون رأسماله الأولى خمسين مليار دولار أمريكي، يصل إلى مائة مليار دولار أمريكي. كما تم الاتفاق على أن مجال عمل هذا البنك هو تقديم الدعم المالى لتعزيز تنفيذ مشروعات البنى التحتية فى منطقة آسيا. وعندما عقد فى بكين فى مايو 2017، «منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي»، شارك فيه 29 رئيس دولة وحكومة، ووفود من كافة دول العالم تقريبا، وقال الرئيس شى فى تصريحات صحفية إن 68 دولة ومنظمة دولية وقعت على اتفاقيات تعاون مع الصين لدفع مبادرة الحزام والطريق. فى يناير 2016، قال الرئيس الصينى فى كلمته بمقر جامعة الدول العربية فى القاهرة، إن الصين تلتزم بطريق التنمية السلمية والسياسة الخارجية السلمية المستقلة وإستراتيجية الانفتاح القائمة على المنفعة المتبادلة والربح للجميع. وتتمثل ركيزة من أهم ركائز ذلك فى المشاركة الحثيثة فى الحوكمة العالمية وصياغة معادلة التعاون المتبادلة المنفعة، والاضطلاع بالالتزامات والمسئوليات الدولية، وتوسيع دائرة المصالح المشتركة مع دول العالم، وتشكيل مجتمع ذى مصير مشترك للبشرية. وأضاف: «يتعين علينا أن نتمسك بالمرحلة الحاسمة فى السنوات الخمس القادمة للتشارك فى بناء «الحزام والطريق»، وتحديد مفهوم عمل يتسم بأهمية السلام والإبداع والريادة والحوكمة والاندماج، بحيث نكون بناة للسلام فى منطقة الشرق الأوسط، ودافعين لتنميتها، ومساهمين فى تطوير صناعتها، وداعمين لتثبيت استقرارها، وشركاء فى تعزيز تفاهم شعوبها. وفى التقرير الذى قدمه للمؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصيني، قال الرئيس شى: «إن العالم يمر بفترة إصلاح وتعديل كبيرين، وإن السلام والتنمية لا يزالان موضوع العصر». ففى الوقت الذى تعيش فيه البشرية فى نفس القرية الكونية التى يتزايد فيها ترابط المصائر بين الدول، يتحول المجتمع الدولى إلى مجتمع مصيره مشترك، وتتشابك فيه أقدار الجميع. لا يمكن لأى بلد أن يعالج بمفرده التحديات التى تواجه البشرية، ولا يمكن لأى بلد أن يعيش فى جزيرة معزولة. يتعين على جميع بلدان العالم أن تعمل معا بروح مسئولة من أجل حماية السلام والتنمية العالميين وتعزيزهما. إن العلاقة بين الصين والعالم تقف عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة. لقد أصبحت الصين لا تنفصل عن العالم بصورة متزايدة، وأصبح العالم أيضا لا ينفصل عن الصين بشكل متزايد. إن الحقيقة التى تزداد سطوعا هى أن السنوات القليلة الماضية، شهدت تحول الصين من لاعب فى الشئون الدولية إلى دولة تقود الأجندة العالمية، تحتضن الدول النامية فى كافة تحركاتها الدبلوماسية.