قد يكون من الطبيعى أن ينشب العراك بين الأهل الأبناء حول المصروف وقيمته ومقدار زيادته عندما يكونوا صغارا على أعتاب مرحلة المراهقة، لكن الأبناء لا يبقون صغارا وخلافات المصروف تزداد حدة خاصة عندما يدخلون الجامعة وتزيد طلباتهم ومصاريفهم ما بين مصاريف الجامعة والطلبات الخاصة ويزداد الأمر صعوبة إذا ما دخلوا فى قصص حب تتطلب زيادة فى المصروف. لا يبدو من اللائق العراك مع شاب تجاوز العشرين يطلب زيادة فى المصروف، فأغلب الأبناء يعتبرون أن آباءهم ملزمون بنفقاتهم كاملة خلال فترة الدراسة وما بعدها لحين العثور على عمل، وبالطبع لا يستغنى الابن أو البنت عن مساعدات الأهل حتى بعد الزواج، بعضهم يشعر بالخجل عند طلب المصروف فهو قادر على العمل، ومنهم عبد الله الشاب العشرينى الذى يدفع مصاريف دراسته بالكامل فى إحدى الجامعات الأجنبية المرموقة التى يدرس بها إدارة الأعمال. كان عبد الله فى السادسة عشرة من عمره عندما سافر لأول مرة إلى امريكا ليقيم عند إحدى العائلات فى ولاية ايوا فى إطار برنامج التبادل الثقافى الذى تنظمه وزارة الثقافة. كانت لدى الأسرة أربعة أبناء منهم ولد يصغره بعامين ولاحظ عبد الله أنه يعمل خلال الإجازة الأسبوعية فى غسيل سيارات الجيران وتوزيع الجرائد، ويدخر كل هذه المبالغ فى صندوق يضعه فى غرفته، وعندما سأله عن السبب أوضح له انه يستعد لمصاريف الجامعة كما أنه يحب ألا يعتمد على والديه فى كل شيء. فى هذا الوقت كان عبد الله ينتظر المصروف الشهرى من والدته على أحر من الجمر لكن تجربته هذه غيرت نظرته للحياة.. وبعد عودته للقاهرة، التحق بالصف الثانى الثانوى وعمل فى كل المهن المتاحة من توصيل طلبات لغسيل سيارات استطاع بفضل لغته الجيدة أن يلتحق بالعمل فى خدمة العملاء بإحدى شركات الاتصالات ويتقاضى 2000 جنيه شهريا, ويعمل يوميا نحو 5 ساعات بعد المدرسة ثم يعود الى البيت للمذاكرة. لم يعد عبد الله فى حاجة لمصروف, تمكن من دفع مصاريف جامعته وتكفل بنفقاته الشهرية ومازال يدرس ويعمل وهو طالب فى السنة الثالثة. ويقول لا أريد أن ألوم الطلبة الذين يحملون آباءهم أعباء الدراسة والمصروف الشخصى فلو جربوا متعة الإنفاق من أموالهم الخاصة لما قبلوا الأمر.. تعلمت أن أعيش على دخلى وليس أهلي, وأن تكون لدى خطة للمستقبل, أفادتنى التجربة فى اكتساب مهارات سوق العمل, وبعد التخرج سيكون لدى شركتى الخاصة. أما أحمد فهو طالب فى كلية التجارة ورغم أن أهله مقتدرين إلا أنه تعرض لموقف لا ينساه وهو طالب فى عامه الجامعى الأول عندما طلب من والده أن يمول تكاليف سفره فى رحلة لكن والده رد عليه قائلا: أنا مسئوليتى أعلمك ولو عايز تتفسح يبقى على حسابك. بدأ أحمد يفكر للمرة الأولى فى العمل وبالفعل بدأ فى مشروع تصميم وطباعة التى شيرتات الشبابية مستغلا موهبته فى الرسم وشيئا فشيئا أصبح لديه وصديق آخر محل فى أحد الشوارع الرئيسية وأصبح لديه دخل يغنيه تماما عن المصروف. يتحدث أحمد بفخر شديد ويعتقد أن الشاب الذى ينتظر العمل بعد الشهادة هو غافل لا يعلم لذة العمل وكسب المال والخبرات بدلا من تضييع الوقت على سلم الجامعة. «لبني» أم لشاب عمره 21 عاما طالب فى السنة الثانية بكلية الحقوق التى دخلها عن طريق مكتب التنسيق, وهو متعثر فى دراسته, لذلك تعيش الأم فى هلع كما تقول فابنها مغرم بالمشروعات التجارية وكل يوم لديه فكرة ومشروع وجميعها يفشل وكان ينفذ مشروعاته وهو طالب فى الثانوية العامة رغم محاولاتها المستميتة لمنعه لحين الحصول على شهادة. وتخشى أن ينشغل الابن بالمشروعات الفاشلة وينسى الشهادة خاصة وهو لا ينوى العمل فى القانون ودماغه كلها بيزنس لكن الشهادة بالنسبة لها أولا ثم تأت المشروعات على راحتها.. أنا من حقى شهادة أعلقها فى الصالون تثبت أننى نجحت فى مهتمتى ولم أفشل كأم.. واقع الحال يشهد بأن كثيرا من الشباب فقدوا الثقة فى قيمة الشهادة الدراسية ومدى أهميتها فى تحديد مستقبلهم أو العثور على عمل عن طريقها ولذلك لجأ عدد منهم للعمل فى أثناء الدراسة وهو أمر جيد، ولابد من تشجيعهم عليه، فالشاب فى المجتمعات الغربية يبدأ فى الاعتماد على نفسه منذ سن السادسة عشرة كما يقول د.ايهاب الدسوقى أستاذ الاقتصاد, لكن فى مجتمعاتنا تتأخر هذه الخطوة وقد لا تأتى أحيانا ويطول اعتماد الابن على أهله، لكن الأهل لابد أن يشجعوا أولادهم على هذه الخطوة لأنها تختصر الوقت وتتيح لهم الخبرة المؤهلة لسوق العمل وتكوين شبكة علاقات عامة تفيدهم فى المستقبل، وكذلك تساعدهم على تحديد أهدافهم والمجال الذى يريدون العمل فيه مستقبلا ومن لا يستطيع التوفيق بين الدراسة والعمل بسبب صعوبة الدراسة يمكنه العمل فى فترة الصيف.