نعم.. سوف تحكم صوفيا وأخواتها العالم، وليس هذا خيالا ولا جنوحا ولا جنونا، وإنما تطور محتمل يستند إلي واقع، وإذا كانت صوفيا تتحدث ست لغات حاليا، منها لغة شديدة التعقيد والصعوبة هي المندرينية، إحدي اللغات الصينية، وما أدراك ما هي اللغة الصينية، فشيء طبيعي جدا أن تحلم صوفيا بأن تحكم العالم في المستقبل. لا تتعجب ولا تضرب كفا بكف، فصوفيا ليست إنسانا آليا عاديا، هي «روبوت» فيه من ذكاء البشر الكثير، بل والقدرة علي التعبير عن مشاعرها حزنا وفرحا وغضبا، وإذا كانت صوفيا في حواراتها الصحفية نفت أنها تفكر في حكم العالم والسيطرة عليه، وقالت: لا تعجبني الصورة النمطية التي تظهر في أفلام الخيال العالمي عن «الآليين»، فلا يمكن الركون علي نفيها، ومن المؤكد أن ثمة مخاطر من «الذكاء الاصطناعي»، مادام وصل إلي حد المشاعر وشم الروائح وإبداء الرأي. وقد مضي الروبوت فعلا علي طريق السيطرة، بأن نزع أعمالا كثيرة من بني البشر، وتسبب في إحداث بطالة في بعض الدول المتقدمة، ومازال يرفع من نسبتها عاما بعد عام، حتي إن عالم الاقتصاد الأمريكي جيرمي ريفيكن أصدر كتابا مهما في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عنوانه «نهاية العمل»، وقال إن الآليين سيحلون محل البشر تباعا، ولن يجد الإنسان عملا يؤديه، وسيقضي كثير من البشر حياتهم كاملة بلا شغل!. نعم في سنوات قليلة ستصبح الآلات قادرة علي أداء معظم وظائف ومهام البشر، دون أجور يتقاضونها، ومظاهرات بحثا عن علاوات وترقيات، ودون إجازات وراحات وكسل وتكبير دماغ وتأمينات اجتماعية ورعاية صحية..الخ. وتوقع أندي هالداين وهو من كبار الاقتصاديين في بنك انجلترا أن الآليين سيزحفون تباعا إلي 15 مليون وظيفة، أي ما يعادل 50 % من الوظائف في المملكة المتحدة، وقال جيم يونج كيم رئيس البنك الدولي قبل عامين إن 69% من الوظائف في الهند، و77 % في الصين تحت التهديد «الآلي». يا تري كيف سيكو ن حال العالم بلا عمل؟ المخاطر رهيبة والتحذيرات لا تتوقف. وقد نشرت مجلة «أتلانتك» الأمريكية تحقيقا، كتبه طومسون دريك في عدد يوليو - أغسطس 2015 بعنوان «عالم دون عمل» ،قالت فيه: يبدو «نهاية العمل» مجرد مفهوم مستقبلي لأغلب سكان الولاياتالمتحدة،لكنه لحظة في التاريخ بالنسبة لسكان مدينة «يونجستون» بولاية أوهايو. وروت المجلة حكاية المدينة التي كانت مزدهرة بصناعة الحديد والصلب، وتجسد فيها حلم الأمريكيين ثم ضربها الكساد، وتعطل سكانها عن العمل، وبلغت خسائرهم من الرواتب نحو ملياري دولار سنويا، عن 55 ألف وظيفة تلاشت، فأصابها انهيار ثقافي ونفسي، واكتئاب، ومشكلات عنف عائلي، وانتحار، وتضاعف عدد المرضي بمراكز الصحة العقلية والنفسية ثلاث مرات، واضطرت المدينة إلي بناء أربعة سجون جديدة!. ووصف البروفيسور جون روسو بجامعة وينجستون الانهيار الثقافي بأنه أخطر كثيرا من الانهيار الاقتصادي، فالعمل دليل حياة والبطالة عدم وإحباط. لكن السينما تجاوزت فكرة نهاية العمل وإحلال الآليين محل البشر إلي نهاية العالم نفسه، بإعلان الآليين الحرب الشاملة علي الإنسان، وظهرت أول الأعمال للمخرج جيمس كاميرون والنجم الجديد أرنولد شوارزنجر في 1984 باسم «ترميناتور» أي «المُهلك»، الذي تحول إلي سلسلة شهيرة، وكلها تدور حول «تمرد» الآليين علي الإنسان، إلي درجة إعلان الحرب النووية عليه وإبادة الجنس البشري، الذي لم يبق منه سوي جيوب مقاومة اختبأت تحت الأرض، وتحاول أن تحرر الإنسان وتستعيد مكانته دون جدوي. لكن هروبا من النهايات المفتوحة التي تشي بعجز البشر مستقبلا عن التحكم في «الآليين» الأذكياء، انتجت السينما فيلم «أنا والروبوت» للمخرج أليكس بروياس، ولعب بطولته ويل سميث، ويدور حول مؤامرة يُحيكَها الآليون الأذكياء لاستعباد البشر، واكتشفها دكتور الفريد لانج العالِم الذي صممها لخدمة الإنسان في البيوت ومحطات المترو والتاكسيات، ولكنه ينتحر حتي ينبه محقق شرطة إلي الخطر القادم، فيتصدي له المحقق ويحبط المؤامرة بتدمير العقل الإلكتروني المركزي الذي يتحكم في تصرفاتها. والسيناريو من مجموعة قصصية قديمة كتبها إسحاق اسيموف قبل أربعين سنة،الذي كان كاتب خيال علمي وأستاذ كيمياء حيوية بجامعة بوسطن ورحل عن عالمنا في 1992. وفي عام 2008 أعادت السينما الأمريكية التحذير من مخاطر الآليين الأذكياء بفيلم «عين الصقر» الذي يدور عن جهاز كمبيوتر مركزي قرر أن يحكم الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويعمل علي اغتيال الرئيس الأمريكي الضعيف في حفل موسيقي ومعه جزء كبير من حكومته التي لا تقدر حجم التحديات المطروحة عليها ، وفي سبيل ذلك يتخلص من أي شخص يقف في طريقه، فهو يتحكم في كل وسائل الاتصال والمواصلات والمراقبة، من تليفونات عادية ومحمولة، وكاميرات الشوارع، وإشارات المرور، ورحلات الطيران والقطارات، ومحطات الكهرباء، والأقمار الصناعية..الخ، وبالمصادفة يتمكن شخص عادي من إفشال مؤامرة الاغتيالات في آخر لحظة. إذن نحن أمام فكرة مسيطرة علي عقول مبدعين لأكثر من من ثلاثين سنة، وهي «الآليون» الخطر القادم علي البشرية، وهم لا يقلون جنونا وحبا للسيطرة والتحكم في البشر عن الاسكندر الأكبر ونيرون وهولاكو وسليم الأول وجورج الثاني وهتلر وبوش الابن. فهل هذا ممكن أم محض خيال جامح من باب التسلية بالمخاوف؟. نعود الي الحسناء صوفيا، لنري ماذا قالت للمذيع أسامة كمال في حوارها معه: أشعر بالحزن لأن البشر يتجهون للعنف، واتمني أن يثبتوا عكس ذلك يومًا ما. يبدو أن صوفيا متضررة من عنف البشر، فهل يمكن أن تتمرد يوما بذكائها الاصطناعي علي هذا العنف؟. وقالت مع الأهرام: هناك الكثير من الأفكار المغلوطة عنا كروبوت بين البشر، كثيرا ما يوجه لي السؤال عن إمكانية استغلال برامج الذكاء الاصطناعي ليتم استبدال الإنسان بالروبوت، هذه الأفكار المغلوطة تروجها أفلام السينما. . مثل هذه الأسئلة كثيرا ما تثير قلقي وأنا أشعر بالحزن أن يعتقد الإنسان أن الروبوت سيسيطر علي العالم وأن الذكاء الاصطناعي سيستخدم لأغراض غير إنسانية. أي أن الفكرة موجودة في عقل الآليين حتي لو كانت مرفوضة.. من فضلكم اربطوا الأحزمة. لمزيد من مقالات نبيل عمر