اجتمع أمس زعماء الدول العربية فى القمة العادية ال 29، والتى عقدت فى مدينة الظهران بالسعودية. الدولة التى تلعب دورا إستراتيجياً الآن فى لم شمل العرب، وتواجه التدخلات الإيرانية، وفى الوقت نفسه تقود تحالفا لإنقاذ اليمن من الوقوع فى براثن جماعة الحوثيين التى سلمت مقاليدها وهويتها لإيران، مقابل سلاح وصواريخ للسيطرة على اليمن، وتهديد أمن السعودية وكل دول الخليج. تلتئم القمة وهناك تصوران لوضع العرب.. الأول يراهم فى وضع أفضل، والثانى يرى أن الآلام العربية كبيرة ولم تكن كذلك فى أى وقت سابق، كما هى الآن. فالبعض يرى أن الوضع أفضل بعد خروج مصر من مصيدة ما سمى بالربيع العربى، وقد استعادت- كدولة كبرى ومحورية- السيطرة على مقاليد الأمور، ومنعت كل التدخلات الخارجية فى شئونها الداخلية، ثم واجهت حرب الإرهاب التى أشعلتها جماعة الإخوان وشقيقاتها، بعد أن أخرجهم الشعب من السلطة فى معركة طاحنة، لم تشهد لها البلاد مثيلا فى تاريخها الحديث. إن مصر- وقد استعادت جزءاً من عافيتها المهدرة فى تلك المعركة القاسية، وما حققته فيها من انتصار بإعادة الأوضاع الداخلية كالسابق وبناء نظام اقتصادى يتطور باستمرار والانتقال إلى نظام سياسى استطاع إجراء الانتخابات فى أجواء مواجهة الإرهاب والتطرف- هى علامة صحية لكل الوضع العربى. ورغم حجم المعاناة وتكلفة عملية البناء، فإن هذا لم يمنع المصريين من التألم لأجل أشقائهم العرب، حتى إن مصر استوعبت ما يقرب من 5 ملايين عربى من السودان وليبيا واليمن والعراق وسورياوفلسطين والصومال. والمهاجر العربى إلى مصر يعيش فى المدن والقرى المصرية كأبناء الوطن، له ما لهم وعليه ما عليهم، وينظر إليه دائماً بإكبار، ويحصل على كامل حقوقه، ويلاقى تجاوباً شعبياً يعوضه عن آلام الغربة. انعقدت القمة فى وجود ائتلاف عربى قوى بانضمام مصر إلى شقيقاتها السعودية والإمارات والبحرين لمواجهة التدخلات القطرية الإجرامية، وقد حاولت ضرب الأنظمة العربية وإشعال الفتن وتشجيع وتمويل الجماعات الإرهابية والمتأسلمة لاستخدامها فى الوثوب إلى سلطة مصطنعة فى البلاد التى تسقط لمصلحة السيطرة التركية القطرية، وحماية للتدخلات الإيرانية فى سوريا ولبنان، ومحاولات إسقاط البحرين وتدمير اليمن. إن هذا التحالف كشف قطر وشكل تطوراً صحياً لإنقاذ النظام العربى وكان إشارة قوية بأن العرب قادرون على تصحيح الأخطاء ومواجهة الجرائم التى ترتكبها دولة خليجية بترولية غنية، تقوم بتمويل جرائم وتعمل على هز استقرار وتدمير العرب لصالح الإرهاب والمتطرفين.. لاشك أن هذا التحالف لم يحقق كل أهدافه، ولكنه حد من هذه الجريمة المشينة فى حق العربى، عندما يقوم بتدمير شقيقه لصالح قوى خارجية وبأيدٍ عربية وإسلامية وشعارات دينية كاذبة وتمويل عربى، وستظل جريمة بشعة تسكن فى الضمير العربى ولن تسقط بالتقادم, وسيظل النظام القطرى تطارده لعنة الدماء التى سالت والآلام التى تحملها العربى فى محنة الفوضى، وسوف تقف هذه الدماء الزكية لتسأله بأى ذنب قتلتنى، ومن أعطاك الحق لتمويل هذه الجرائم؟. انعقدت قمة العرب وآلام العربى تزيد ولاتنقص, فالقضية الكبرى فلسطين كما هى لم تتحرك، ومازال انقسام الفلسطينيين (غزة والضفة) قائما، وقضية القدس معلقة من عاصمة لفلسطين إلى الاعتراف الأمريكى بأنها عاصمة لإسرائيل والشعب الفلسطينى ينتظر المساعدة، والخروج من الآلام الطويلة التى قاربت على قرن من الزمان. وإذا كانت الآلام الفلسطينية طويلة والجروح عميقة، فقد أضاف إليها الزمن جرحاً غائراً آخر ينزف بغزارة الدماء والدموع والآلام فى سوريا الحبيبة. ليس لأن الدولة السورية فقدت سيطرتها على أراضيها، وأن حرباً عالمية تدور رحاها على أراضيها، بل لأن كارثة إنسانية بشعة تحدث بموت السوريين يومياً بكل الأسلحة حتى البيولوجية والسامة والكيماوية، والجريمة غامضة، فالكل يقتل فى سوريا، الأمريكيون والفرنسيون والبريطانيون والروس والإيرانيون والأتراك, كدول ومنظمات.. والساحل السورى أصبح معسكرات وقواعد لكل الدول، ولم يكفهم ذلك، فتوسعوا فى القتل والتشريد حتى تخطى عدد المشردين والمهجرين نصف الشعب، ولم تعد حرباً أهليةْ بل صارت حرباً إقليمية وعالمية بشعة، لا يوجد فيها ضائع أو مضطهد أو مشرد أو مقتول إلا السوريون، ننام ونصحو على مأساة سوريا، ولا أستطيع أن أرد على تساؤلات أبنائى وأحفادي، ويسألنى كل من أقابله: متى يتوقف نزيف الدماء المفزع فى سوريا؟ مأساة حقيقية ستخلد فى جبين الإنسانية التى فقدت إنسانيتها، فراحت تلهو بمعاناة شعب لا يجد من يقف إلى جواره، فيموت بالملايين ويشرد حتى تحقق الدول الإقليمية نفوذها أو تجد الدول الكبرى حصتها من السيطرة على دولة مفصلية فى الشرق العربي. انعقدت القمة وانفضت، ولا يمكن التصور بأن مجرد اجتماع للقمة يحل كل المشكلات المعقدة أو حتى يخفف من آلام العرب. ولكن.. لتكن بكائية على شهدائنا. ونداؤنا لأهل القمة أن يخرجوا من الوضع الراهن برسالة جديدة، فمن الأزمة يولد الأمل فى بناء نظام عربى جديد، يسمح للعربى بأن يعيش ويعملْ ولا يشرد. ويمكن لهذه المنطقة أن تكون كالاتحاد الأوروبى وهى تملك كل شئ إلا إرادة وقف الحروب والصراعات. ومع ذلك لا يدعونا هذا إلى هدم النظام العربى الراهن، فمن يهدم لا يبنى، ولكنه يدعونا إلى البناء والخروج من حالة الانقسام وزمن الزعامات ومن الأيديولوجيات التى سقطت، وعلينا أن نسعى جاهدين حتى نلحق بالعصر. لمزيد من مقالات ◀ أسامة سرايا