مع احتدام سباق الرئاسه الامريكيه, واقتراب لحظة الحسم لكلا المرشحين الرئيس الديمقراطي باراك اوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني, تحولت حملتا كلا المرشحين بقوة نحو ملف السياسه الخارجيه في ظل عدم نجاح اي منهما في اقناع الناخبين بشكل حاسم بقدرته علي ادارة الملفات الداخليه باقتدار. وفي ظل حالة الاستقطاب الهستيري التي امسكت بحملتي المرشحين وكانت بوصلتها موجهة شرقا,عادت اسرائيل بقوة لتلعب دورا تاريخيا اعتادته باعتبارها قبلة مرشح الرئاسه الامريكيه الباحث عن الانتصار, وعيناه مسلطتان علي لوبي نافد يمسك بخيوط اللعبه جيدا. لم يكن مستغربا هذا اللهاث وراء احد اهم حلفاء واشنطن, وبدا اوباما علي وجه الخصوص عازما علي نيل الصفح من اسرائيل بسبب عدم قيامه بزيارتها خلال ولايته الاولي رغم زيارته لبعض دول المنطقه, وحرص الرئيس الامريكي علي ان يسبق منافسه رومني في نيل الشرف, فالوفود الامريكيه التي يقودها كبار المسئولين في ادارته وعلي راسهم وزير الدفاع بانيتا ووزيرة الخارجيه كلينتون تطرق ابواب اسرائيل تبركا وتمسحا منذ اشهر,وكان الختام مسكا لتل ابيب بتوقيع اوباما علي قانون يدعم العلاقات العسكرية بين البلدين وتقديم دعم مالي للنظام الصاروخي الاسرائيلي المعروف بالقبه الحديديه في إطار سعيه إلي طمأنة الناخبين اليهود الامريكيين بالتزامه بالتحالف الوثيق بين البلدين. حرص اوباما علي ارضاء اللوبي اليهودي دفعه لاختيار توقيت جهنمي لتقديم نفحاته لتل ابيب عشية بدء رومني جوله خارجيه تشمل اسرائيل, وحاول الرئيس الامريكي نزع ورقة ضغط من ايدي الجمهوريين الذين لطالما كالوا له الاتهامات بتقويض علاقات واشنطن مع شريكتها الاولي في الشرق الاوسط. حاول اوباما عبر تحركات سريعه احباط محاولة خصمه نقل المعركه الانتخابيه الي ساحة السياسه الخارجيه ووصمه بنقص الخبرة في الساحه الدوليه مع وعد بزيارة لاسرائيل بعد اعادة انتخابه لولايه ثانيه. وحاول رومني الذي اعيته ونالت من شعبيته الاعلانات التليفزيونيه لاوباما التي تأخذ شكلا شعبويا توحي بأن الثري رومني لا يشعر بمعاناة الطبقه المتوسطه, بأن يشحن بطاريات حملته بتلك الجوله الخارجيه التي شملت بريطانيا واسرائيل وبولندا, سعي خلالها لاظهار اختلاف اسلوب ادارته للعلاقات الدوليه مقارنة بأوباما, وخصوصا في مقاربة العلاقات مع كل من اسرائيل وروسيا, حيث يسعي المرشح الجمهوري الي علاقات اوثق مع تل ابيب واكثر برودة مع موسكو. رومني يمثل تيارا داخل الحزب الجمهوري يدعو إلي سياسة أمريكية خارجية أكثر انخراطا في الشئون الدولية علي عكس توجهات الادارة الامريكيه الحاليه التي تكال لها الاتهامات الجمهوريه بعدم استخدام القوة بما يكفي مع ايران والصين وروسيا وعدم دعم اسرائيل بما فيه الكفايه, وحاول رومني بقوة الطرق علي تلك الخلافات مع ادارة اوباما فاستهل جولته الخارجيه بزيارة بريطانيا لتعكس رغبته في استعادة التحالف التاريخي بين البلدين ودغدغة مشاعر اليمين الامريكي الذي يحن دائما الي اوروبا القديمه ويستمد بعض مبادئه من رؤساء وزراء تاريخيين مثل تشرشل وثاتشر. وحاول رومني استلهام بعض النجاح في زيارته لبريطانيا بتأكيد تقارب وجهات النظر مع رئيس الوزراء كاميرون الذي ينهج نفس السياسات الاقتصاديه المحافظه, وبنفس النهج حاول رومني خلال زيارته لاسرائيل ان يوسع لارضيه مشتركه تجمعه برئيس حكومتها نيتانياهو حيث تجمعهما علاقه طويله تعود الي سبعينيات القرن الماضي حين عملا معا في شركه للاستشارات في بوسطن كما تلقت حملتهما الانتخابيه اموالا من البليونير اليهودي الامريكي شيلدون اديلسون. ولذلك حاول رومني تحقيق اقصي استفاده من لقائه بنيتانياهو لجذب الصوت اليهودي الامريكي القادر علي حسم سباق الرئاسه سياسيا وماديا وخصوصا في ولاية فلوريدا التي حسمت كرسي الرئاسه لبوش الابن عام2000 وحاول رومني في بولندا استغلالها كمنصه لشن هجمات علي سياسة اوباما المهادنه مع روسيا التي يعتبرها الخصم الاستراتيجي الاول لامريكا وهي نبرة تلاقي اتهامات للمرشح الجمهوري بمحاولة اعادة اجواء الحرب الباردة. ولاستخلاص النتائج يمكن الجزم بأن جولة رومني لم تحقق له الرضاء التام في الظهور بصورة قياديه علي الساحه الدوليه ليس فقط كونه لا يملك خبرة في السياسه الخارجيه ولكن لفشله ايضا في التغلب علي حالة التشرذم التي تهيمن علي فريقه للامن القومي الذي ينقسم بين محافظين جدد ووسط. ونجح اوباما في تسجيل نقطتين غاليتين علي منافسه في ملف السياسه الخارجيه,نقطة عندما نجح في استمالة الناخب الامريكي عندما تحدث امام المحاربين القدماء مدافعا عن سياسته الخارجيه وانه نفذ وعده بالانسحاب من العراق منتقدا قول رومني, دون ان يسميه إن اعادة جنودنا سيكون خطأ, والنقطه الثانيه عندما قام اوباما بالتذكير باعلانه خلال حملته الانتخابيه الاولي بانه اذا كان اسامه بن لادن في مرمي اهدافنا فسنتحرك لحماية امريكا حتي لو كلفنا ذلك الذهاب الي باكستان, وحرص فريق اوباما خلال الذكري الاولي لرحيل زعيم القاعدة علي اذاعة تصريحات لرومني تندد بذلك. ربما يحتاج رومني لاعادة تقييم نتائج جولته الخارجيه بشكل موضوعي والتحقق من قدرتها علي انتشاله من مأزق صعب بعد ان حشرته حملة اوباما في الزاويه لارغامه علي الكشف عن سجله الضريبي وتوضيح اللغط الذي يحوم حول ادارته لشركة باين كابيتال الخاصه وارتباطها بموجة فصل من الوظائف. ويرفض رومني الرد علي اتهامات بأن سجلاته الماليه تضم تحويلات الي بنوك في الخارج وتبرعات تحيط الشبهات بمصادرها, رغم دعوات من شخصيات جمهوريه نافذة للكشف عن الحقيقه للحيلوله دون تضخم الملف والتصدي لحملة اوباما التي انتهجت اللعب علي الخط الشعبوي في الاعلانات الانتخابيه من خلال تصوير رومني بوصفه راسماليا يصدر الوظائف الي الهند والصين من خلال ادارته لشركة باين كابيتال. وتغمر وسائل الاعلام الامريكيه اعلانات معاديه للمرشح الجمهوري تصفه بأنه مصاص للدماء ومدمر للوظائف ونقيض روبن هود, أي يسلب الفقراء ليعطي الأثرياء. واستغلت حملة اوباما انتقادات شخصيه توجه لرومني ومنها تردده وتقلب مزاجه وزلات لسانه التي لا يمكن لأحد أن يعرف مدي تأثيرها.وكان رومني قد أدلي بأسوأ تعليقاته في القضايا الاقتصادية عندما قال إنه يهوي التمتع بإقالة الموظفين, وإنه لا يهتم بمن يعانون الفقر المدقع. و يواجه المرشح الجمهوري مشكلة كبيرة حينما يفقد أعصابه في أثناء النقاش فيحاول أن يغير الموضوع وهذا سيظهر بوضوح عند عقد أول مناظرة مع أوباما من المتوقع ان يهيمن عليها ملف الاقتصاد الشائك حيث يلازم الناخب منذ اكثر من4 سنوات أزمة اقتصادية حادة وعجز مالي وارتفاع معدلات البطالة إلي مستويات غير معهودة أمريكيا, وارتفاع الدين إلي معدلات غير مسبوقة, وهي الغام بالطبع ستنفجر في وجه اوباما اولا. ورغم صدور تصريحات بتأييد رومني من جانب كبار الشخصيات الجمهوريه مثل الرئيسين الأمريكيين السابقين جورج بوش الأب والابن ووزيرة خارجية الأخير كونداليزا رايس, فأن المراقبين يتوقعون ان يسرع رومني بتسمية نائب الرئيس لتخفيف الضغط عليه, ويحتاج رومني الي شخصيه قريبه من الطبقه العامله والمحافظين لمساعدته في ولايات الوسط والجنوب, وربما يجد ضالته في رايس! [email protected]