ينبع الاهتمام العالمى الكبير بمرور عام على تولى الرئيس ترامب الرئاسة، ليس فقط من كونه رئيس أكبر دولة تقف على رأس النظام الدولى ومتشابكة فى جميع قضايا وأزمات ومشكلات العالم، وبالتالى تؤثر سياستها على التفاعلات الدولية، ولكن أيضا بسبب شخصيته التى شكلت ظاهرة غير مألوفة فى العرف السياسى والدبلوماسى بسبب تصريحاته وتغريداته التى أثارت جدلا داخليا وخارجيا، ربما آخرها وصف المهاجرين من إفريقيا وهايتى بالحثالة، إضافة لقاموس المصطلحات التى أطلقها الرجل وتضمنها كتاب نار وغضب». يمكن الحكم على عام ترامب الأول من معيارين أساسيين، أولهما: النجاح والفشل فى تنفيذ وعوده، فقد نجح ترامب فى إنجاز بعض من الوعود التى قطعها إبان حملته الانتخابية، وأبرزها قرارات الانسحابات سواء من اتفاقية التغير المناخى واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادى، كما أتم وعده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ووضع قيود على تدفق المهاجرين إلى الولاياتالمتحدة عبر قرارات حظر السفر لرعايا ثمانى دول أغلبها إسلامية وعربية ونجح فى تمرير قانون الإصلاح الضريبى الجديد، لكنه فشل فى إلغاء برنامج الرعاية الصحية المعروف باسم أوباما كير وبناء الجدار الحدودى مع المكسيك، وفشل فى تحقيق التقارب والتطبيع مع روسيا وكذلك فى إلغاء الاتفاق النووى الإيرانى وردع كوريا الشمالية عن تطوير برنامجها الصاروخى. وعلى الرغم من الجدل الذى صاحب العام الأول لترامب على المستوى الخارجى إلا أنه حقق إنجازات مهمة اقتصاديا فى الداخل، فقد انتعشت أسواق الأوراق المالية بشكل كبير وانخفضت البطالة إلى أقل مستوياتها، وهو ما يعنى أن الرجل, كما أعلن من قبل يسعى لتعظيم شعار أمريكا أولا، وهو ما يهم المواطن الأمريكى الذى يشغله الاقتصاد والضرائب والبطالة بأكثر مما تشغله قضايا السياسة الخارجية. وبمعيار المكسب والخسارة نجد أنه ما بدا خسارة للآخرين فإن المقابل عد مكسبا للأمريكيين وهو ما يخالف نظرية عدم قدرة ترامب على إكمال ولايته بسبب قضية التدخل الروسى فى الانتخابات أو قرارات السياسة الخارجية، فقرار نقل السفارة إلى القدس استطاع من خلاله كسب دعم شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكى وهى شريحة المسيحيين الإنجيليين. وثانيها: معيار الاستمرارية والتغير، فقد شهدت السياسة الأمريكية جوانب عديدة للاستمرارية عكستها علاقته القوية مع الحلفاء التقليديين الأوروبيين وحلف الناتو وترميم علاقة أمريكا القوية مع الدول الخليجية، كذلك استمر على درب سياسة سلفه أوباما فى محاربة الإرهاب وزيادة الانخراط الأمريكى فى العراق وأفغانستان، وهناك جوانب للتغير لكنها كانت فى الآليات والخطاب الدبلوماسى وليست فى الإستراتيجية والأهداف، بعبارة أخرى كانت محصلة السياسة الخارجية الأمريكية خلال عام ترامب الأول نتاجا لمعركة الترويض المتبادل بين ترامب، الذى يفتقد الخلفية السياسية وجاء من خارج النخبة التقليدية، وبين المؤسسات الأمريكية أو ما يطلق عليها الدولة العميقة، والتى نجحت فى الكثير من الملفات فى وضع بصمتها وتعظيم دورها وأبرزها تحجيم ترامب عن تطبيع علاقته مع روسيا باعتبارها المنافس الإستراتيجى للولايات المتحدة فى النظام الدولى، وهو ما تضمنته استراتيجية الأمن القومى الأمريكى، وفرض الكونجرس عقوبات على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية والتدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، بل تضمن قرار الكونجرس منع ترامب من رفع تلك العقوبات إلا بموافقة الكونجرس ذاته. ولعل السياسة الأمريكية تجاه إيران ومحاربة الإرهاب أبرز التغيرات فى السياسة الأمريكية خلال العام المنصرم، فقد غير ترامب إستراتيجية أوباما القائمة على احتواء إيران عبر الدبلوماسية والحوار ودمجها فى المنظومة الدولية عبر الاتفاق النووى، واستبدلها بإستراتيجية الاحتواء عبر الآليات الصلبة مثل تصعيد الخطاب السياسى ووصفها بالدولة الأولى الراعية للإرهاب فى العالم، وربط ملفها النووى ببرنامجها الصاروخى الباليستى ودعمها للإرهاب وأذرعها الإرهابية مثل حزب الله وميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن وزعزعتها الاستقرار فى المنطقة، والأبرز أنه وضع الاتفاق النووى فى مهب الريح عندما وافق لاعتبارات الضغوط الأوروبية ومطالب وزارتى الدفاع والخارجية، على تمديد تعليق العقوبات للمرة الأخيرة مع العمل على إصلاح الثغرات والعيوب الخطيرة فى الاتفاق عبر إضافة ملحق مكمل له. وفى مجال محاربة الإرهاب تبنى ترامب إستراتيجية أكثر حزما من سلفه أوباما عبر الانخراط بشكل أكبر فى الأزمة السورية وفى العراق وهو أسهم بشكل كبير فى هزيمة تنظيم داعش الإرهابى فى البلدين. الخطأ الإستراتيجى الأكبر، والذى سيضر بالمصالح الأمريكية ذاتها هو قرار نقل السفارة إلى القدس وهو يعكس سطحية الإدارة وعدم فهمها تعقيدات المنطقة وحساسية وضع القدس كمدينة تهم ليس فقط الفلسطينيين والعرب والمسلمين بل تهم المسيحيين أيضا فى كل أنحاء العالم، كما أنه يعنى تقويض التوصل إلى صيغة عادلة للسلام تقوم على استعادة الفلطسينيين لحقوقهم المشروعة، وبالتالى استمرار هذه القضية المزمنة ومعها حالة عدم الأمن والاستقرار فى المنطقة. العام الثانى لترامب من المتوقع أن يشهد حالة من النضج السياسى وبصمة أكبر للمؤسسات فى ظل المراجعة الذاتية التى تتسم بها الولاياتالمتحدة، والتداعيات السلبية العديدة التى تسبب فيها ترامب بسبب قراراته واندفاعته. لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد