كتل غير متماثلة تتناثر هنا وهناك أسفل الكوبرى وأعلى الرصيف، تبدو كسلاحف تحاول الاختباء تحت غطائها الصلب الثقيل، ولكن للأسف ليست هناك سوى «بطانية» واحدة من النوع الكالح الردئ تلف ما تبقى من جسد هزيل اكتوى بشمس الصيف الحارقة، وها هو الآن يكتوى بلسعات شتاء قارس ليله طويل. من الصعب أن تتبين نوع «الشبح» الماثل أمامك من بعيد، ورغم أن الاقتراب مغامرة غير مأمونة العواقب فى نظر الكثيرين تجعلهم يكتفون بإلقاء علبة «كشري» أو كوب به رشفات عصير، فإن القرب سيكشف لك عن مفاجأة، ألا وهى أنك أمام كائن بشرى اختفت هيئته الحقيقية تحت ركام تراب الشارع ووسخ جسد لم يبلله الماء من زمن طويل، وتغيرت ملامح وجهه بسبب شعر طال وتشابك وتعقدت أطرافه كما تعقدت حياة هذه المسكينة أو هذا المسكين. ستكتشف أيضا أنه كان مثلك إنسانا عاديا له بيت صغير وعائلة وفراش دافئ وثير، أما لماذا ضاع كل هذا منه وانتهى به الحال للعيش مطاردا بحجارة الصبية ونظرات الفضوليين، فهذا يتطلب مزيدا من الاقتراب ليطمئن لك قلبه ويفتح لك خزانة المآسى وذكريات السنين راويا حكايات الابن العاق أو اشقاء الجاحدين أو الخسارة التى أصابت المال والتجارة وأذهبت العقل الحزين. اقترب ولاتخف ولا تمر مرور الكرام كما يفعل كل المسئولين، فلم نسمع أحدا منهم وزيرا كان أم محافظا أم رئيس حي، استوقف موكبه مشهد بائس لأحد ساكنى الرصيف، ليبحث له عن مأوى أو علاج أو يودعه مستشفى الأمراض النفسية أو دارا للمسنين. فهذه مهمتهم وليست مهمة شباب متطوع تشتد همته حينا لإطعام هؤلاء وتنظيف رءوسهم ثم تلين..أو جمعيات تلح علينا بإعلان الدفء المزعوم ثم تلقى إليهم بأرخص البطاطين.