حمل عام 2017 الكثير من العلامات المضيئة فى مسيرة الاقتصاد المصري، رغم التحديات الهائلة التى كانت ومازالت تواجهه، حيث نجحت إجراءات الإصلاح الاقتصادى الجريئة فى تعديل مساره ووضعه على الطريق الصحيح. لقد كان تفشى ظاهرة السوق السوداء للعملة وانخفاض مستوى الاحتياطى الاجنبى وتراجع الاستثمارات الأجنبية وهبوط تحويلات المصريين بالخارج من أهم التحديات التى كانت تواجه الاقتصاد فى 2016، وأثر ذلك بشكل كبير على مؤشرات الاقتصاد وتدفق الاستثمارات، حتى جاء قرار البنك المركزى الجريء بتحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016 ، والذى صاحبه وقتها مخاوف كثيرة من تداعياته على معدلات التضخم، ولكن البنك المركزى اتخذ حزمة من الاجراءات والقرارات لاحتواء آثار القرار وتحفيز وتنشيط الاقتصاد. وبالفعل نجحت هذه السياسات وبدأت تظهر نتائجها بشكل ملموس، حيث تمكن البنك المركزى من بناء احتياطى قوى وصل لأعلى مستوياته على الاطلاق مسجلا 36.723 مليار دولار بنهاية نوفمبر الماضي، مقابل 24.26 مليار بنهاية ديسمبر 2016 ، محققا زيادة قدرها 12.46 مليار دولار، أى أكثر من 50% ، وبما يغطى نحو 8 شهور واردات سلعية، وأعطى هذا الاحتياطى ثقة فى الاقتصاد المصرى ، بالاضافة إلى رسالة أخرى وهى القدرة على الوفاء بأى التزامات خارجية وتدبير كافة الاحتياجات. كما انعكس ذلك على سوق الصرف، حيث شهد 2017 كتابة شهادة وفاة السوق السوداء للعملة، والتى كانت تهدد تدفق الاستثمارات واستقرار السوق، حيث تم ترك السوق لآليات العرض والطلب، لتشهد أسعار الدولار استقرارا واضحا، فرغم تباين أسعاره من بنك لآخر، إلا أنها لا تتعدى بضعة قروش، وهذه ظاهرة صحية تعكس احتياجات وموارد كل بنك، وقد ساهم ذلك فى تدفق موارد النقد الاجنبى بشكل قياسي، فحسب مصادر مصرفية بلغ إجمالى تدفقات النقد الأجنبى منذ تحرير سعر الصرف وحتى الآن حوالى 80 مليار دولار، والأهم من ذلك هو توافر الدولار بيعا وشراء بالصرافات دون وجود للسوق السوداء. ومن بين المؤشرات الايجابية التى رصدها البنك المركزي، هى ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج لأعلى مستوى فى تاريخها، لتقفز خلال الفترة من نوفمبر 2016 وحتى اكتوبر 2017 إلى نحو 24.2 مليار دولار ، مقابل 20.2 مليار خلال نفس الفترة من العام المالى السابق، بزيادة قدرها 4 مليارات دولار ، وتعكس هذه الزيادة عودة التعاملات للقنوات الشرعية وانتهاء السوق الموازية، وكذلك الثقة فى البنوك المصرية. ومن بين المؤشرات الايجابية، ارتفاع الفائض الكلى فى ميزان المدفوعات، فحسب آخر تقرير للمركزى بلغ فى الربع الأول من السنة المالية 2017/208 نحو 5.1 مليار دولار، مقابل 1.9 مليار خلال الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة. كما انخفضت مدفوعات السفر بمعدل 41.3% لتقتصر على 649 مليون دولار مقابل 1.1 مليار دولار، وذلك انعكاس لتراجع المدفوعات باستخدام بطاقات الدفع الالكترونية فى الخارج لتقتصر على 289.4 مليون دولار مقابل 767.7 مليون وذلك كنتيجة لتحرير سعر الصرف وانتهاء السوق السوداء. وكان استهداف معدلات التضخم المرتفعة هو التحدى الأكبر للبنك المركزى فى 2017، حيث وصل المعدل السنوى للتضخم لذروته فى يوليو ليسجل 35.2%، وقد اتخذ المركزى طوال الفترة الماضية العديد من الاجراءات لاستهداف معدلات التضخم. إلا أن هذه المعدلات آخذة فى التراجع وبدأت تنخفض شهرا بعد آخر لتتراجع إلى 33.26% فى سبتمبر الماضي، ثم إلى 30.53 % فى نهاية أكتوبر الماضي، ثم هبطت إلى 25.54% فى نهاية نوفمبر، وسط توقعات بمزيد من التراجع خلال الأشهر المقبلة. وحسب النظرة المستقبلية للبنك المركزي، وفى ضوء الاجراءات التى اتخذها لاستهداف التضخم، فإنه يستهدف خفض معدلاته إلى 13% فى الربع الرابع من 2018، ثم معدلات أحادية بعد ذلك. وقد شهد 2017 العديد من القرارات التى اتخذها المركزى لتحفيز الاقتصاد، وكذلك توسيع مظلة الشمول المالى واطلاق مبادرة للتمويل متناهى الصغر وكذلك تحفيز المشروعات الناشئة، بخلاف مبادرات دعم وتنشيط السياحة ومساندة المستثمرين المتضررين، كما قرر إلغاء الحدود القصوى للايداع والسحب النقدى للشركات، فى خطوة تعكس استقرار سوق الصرف وإلغاء القيود بما يؤكد الثقة فى تدفقات النقد الأجنبى. ومن بين انجازات 2017، إنشاء المجلس القومى للمدفوعات برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذى يهدف إلى خفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفي. وتشير النظرة المستقبلية لعام 2018 إلى حالة من التفاؤل،فحسب تقرير أخير للبنك المركزى من المتوقع استمرار ارتفاع معدل النمو الاقتصادى الحقيقى، مدعوما بتعافى صافى صادرات السلع والخدمات وكذلك الاستثمارات المحلية والأجنبية، بالاضافة إلى الاستهلاك المحلي، ومن المتوقع ان يسهم تعافى قطاع السياحة ونمو كل من قطاع التشد والبناء والصناعات التحويلية غير البترولة وقطاع الاستخراجات، وعلى الأخص الغاز الطبيعى، فى زيادة النشاط الاقتصادى.