يتلخص مشروع غزة الكبرى الذى أعده الجنرال جيورا أيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى مقترحًا إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل فى مضاعفة مساحة غزة باقتطاع أراض من سيناء وأخرى أردنية. زعماء القاعدة رفعوا شعار الموت لأمريكا ووصفوها برأس الأفعى وطرحوا نظرية الدومينو ومفادها أن إسرائيل لن تسقط إلا إذا سقطت أمريكا. لم يتحول بن لادن من التحالف مع واشنطن إلى العداء ضدها لعيون فلسطين والقدس، إنما لأنه لم يتحصل على مكافأة نهاية الخدمة بعد انقضاء الحرب الأفغانية، وكان زعيم القاعدة يظن أن انجازًا تاريخيًا كهزيمة السوفيت لا يكافئه أقل من حكم دولة خليجية كبرى وهو ما لم تقدر واشنطن على الوفاء به. لذا حفلت أدبيات القاعدة بهذا الكم من التحريض ضد الغرب وأمريكا، انتقامًا وثأرًا، ولو حظى قادتها بالسلطة بعد ما قدموه من خدمات جليلة للأمريكان لما خدشوا الغرب وإسرائيل بكلمة. عندما تصل تلك التنظيمات للسلطة تتعهد لواشنطن وللعواصم الغربية ولتل أبيب بأن أمن إسرائيل خط أحمر وتتعهد بحمايته كضمانة لدعمها فى الحكم واستمرارها فى السيطرة عليه إلى ما لا نهاية. كتاب ومفكرون إسرائيليون تساءلوا عما يمكن أن تشكله تلك الجماعات من تهديد لإسرائيل وما الذى بحوزتها لتضغط به لاسترداد الحقوق والمقدسات وقد أسهمت هى نفسها فى إسقاط المؤسسات والجيوش العربية والآن تحكم بطريقة بدائية كيانات تنتمى للعصور الوسطى على جثث مئات الآلاف من العرب والمسلمين؟ جماعة الإخوان خدمت فى أثناء عام حكمها المشئوم مصالح إسرائيل سواء بعروض إعادة اليهود المصريين إلى مصر وتعويضهم عن ممتلكاتهم، أو بعروض توطين الفلسطينيين فى سيناء أو إعطاء سيناء هدية للجهاديين، وهو ما يخدم مشروع غزة الكبرى وخطط إسرائيل لحل القضية على حساب العرب كما يتوهمون. هدف الإخوان هو تكريس النماذج الدينية بالمنطقة موزعة بين إمبراطوريات دينية ثلاث على أنقاض النظام العربي، وهى إمبراطورية الولى الفقيه ومركزها إيران وإمبراطورية العثمانيين الجدد ومركزها تركيا وإمبراطورية إسرائيل ودولتها اليهودية. هذا الشكل من نماذج الحكم الدينى تعتبره جماعات الإسلام السياسى هو السبيل الوحيد الذى يمنحها فرصة الحضور لإقامة نموذج سلطوى على أساس دينى بالتبعية لواحدة من تلك الإمبراطوريات. وكذلك أردوغان فهو يتوهم أنه لن يكون له مستقبل ولا حضور إلا بتقاسم النفوذ مع إيران وإسرائيل لتطويق النظام العربى وتوزيع تركته على القوى الإقليمية غير العربية الثلاث. كشف أحد الباحثين تزوير الاستخبارات التركية خرائط تتماشى مع حقبة الدولة العثمانية، للزعم بأن سيناء كانت جزءا من الشام حتى إبرام اتفاقية 1906م، وكان ترسيم الحدود حسب الاتفاقية المبرمة بين بريطانيا والدولة العثمانية قد أتبعت سيناء حينها للشام. وفق هذا التصور تقدم تركيا وجماعة الإخوان أوراق اعتمادهما للمحتل الإسرائيلي، فأردوغان فى واقع الأمر هو أول من اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل فى أثناء رئاسة أريئيل شارون للحكومة، ومشروع استتباع سيناء للشام ضمن مسار سعيه المزعوم لاستعادة السلطنة العثمانية يخدم ملف تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة إسرائيل على حساب الأراضى العربية. أردوغان ينقل نشاط ميليشياته التكفيرية المسلحة بعد أن انقضت مهمتها فى سوريا نحو مصر، والهدف واحد وهو تأمين استقطاع أجزاء جغرافية إستراتيجية من الجسد العربى وضمها لنفوذه، لتوظيفها فى ترسيخ حضوره فى الإقليم. ربط تصريحاته وتحركاته الأخيرة بعضها ببعض يشى بأنه فى وارد استغلال تراجع وانشقاقات داعش والنزاعات بين داعش والقاعدة وحاجة جماعة الإخوان لمن يبعثها من مواتها، كما يستغل أوضاع أنظمة مأزومة وشبه منهارة داخليًا كالنظام القطرى والسوداني. والهدف الخروج من مأزق تراجع أسهمه فى الملف السورى وفشله فى الاستحواذ على أحد المراكز الإستراتيجية هناك كمنطلق لتحقيق أحلامه التوسعية، لذلك استدار شرقًا فى محاولة لإيجاد حضور ونفوذ فى ملفات حساسة تهم القوى الإقليمية والدولية. حديث أردوغان عن نقل مقاتلى داعش من الرقة إلى سيناء وتاليًا مخرجات زيارته للسودان وظهوره ممسكًا بقرار البشير، رسالة ذات مغزى لإسرائيل وأمريكا، مفادها أنه فى وضعية جيدة على ضفاف الوادي، بعد أن واجه صعوبات فى تحالفاته فى سوريا والعراق ولم يجد سلطة مركزية هناك تدعم مشروعه. إسرائيل استفادت من أردوغان وميليشياته الهمجية من إخوان وقاعدة وداعش فى سوريا بإخراج الجيش السورى عمليًا من معادلة الصراع وإضعاف الدولة السورية وانكفائها على أزماتها ومآسيها الداخلية. يلوح أردوغان لحلفائه الحقيقيين فى الغرب وتل أبيب ويؤكد لهم أنه قد انتقل لمحطة أهم من سوريا لتحقيق أهداف مشابهة، لكن الهدف الخفى الذى يعلمه نيتانياهو وأردوغان وقادة الإخوان؛ أنهم فى وارد تأمين ما يأبى المصريون الوطنيون تأمينه لحل مشكلة اللاجئين والقدس على حساب الأرض المصرية. لماذا تحارب مصر دفاعًا عن كل شبر فى سيناء؟ لماذا يسقط أبناؤها شهداء من مدنيين وشرطة وجيش؟ لماذا هذا الكم من التضحيات العزيزة الغالية وآخرها دم العقيد أحمد الكفراوى ورفاقه بالعريش؟ لأننا لسنا كأردوغان ومن يقاتل وراءه من الخونة والنفايات الملوثة بعار العمالة للخارج، فمصر ومناضلوها وأبطالها لا يقبلون المساومة على حبة رمل من العريش ومن سيناء كلها. نقاتل لأننا لا نقبل صفقات تضرب الحقوق الفلسطينية والعربية فى مقتل، أو يشتم منها التنازل عن شبر من أرضنا. حالنا كما كنا نغنى للسويس وراء محمد حمام نصد العدوان، رافضين مغادرة بيوت مدننا «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى أستشهد تحتك وتعيشى إنتِ». لمزيد من مقالات هشام النجار