وسط عالم يموج بالمتغيرات المتسارعة والتحولات الكبيرة، ومنطقة تزداد فيها الأزمات سخونة تصل أحيانا إلى حافة الاشتعال، ظلت الصين خلال 2017 محافظة على أدائها الهادئ فى التعاطى مع القضايا الإقليمية والدولية، والسعى الدائم للوصول إلى حلول للمشكلات عبر الحوار السياسى، والبعد عن التورط فى صراعات قد تعطل مسيرة النمو الاقتصادى وتحقيق “الحلم الصينى” ببناء دولة عصرية حديثة مستقرة. ورغم كثرة اللقاءات ذات الطبيعة الدولية، والفعاليات السياسية، التى شهدتها الصين على مدار العام، يظل المؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى، الذى تم تنظيمه فى بكين خلال شهر أكتوبر الماضى، الحدث السياسى الأبرز لعام 2017، بل ربما للأعوام المقبلة أيضا. فالمؤتمر، الذى ينعقد كل خمس سنوات، ويقدم فيه الرئيس الصينى بوصفه الأمين العالم للجنة المركزية للحزب تقريرا بما قدمه الحزب خلال الأعوام الخمسة الماضية، ويكشف عن خطط السنوات الخمس القادمة، يتابعه العالم بعتباره حدث كاشف لمحددات السياسة الصينية المستقبلية، وقد تبنى المؤتمر الأخير عدة قرارات تمثل تحولات كبيرة فى الصين، وترسم إلى حد كبير ليس مستقبل الحزب خلال الأعوام الخمسة المقبلة فقط، بل مستقبل الصين لما يقرب من 40 عاما قادمة. ويأتى فى مقدمة الخطط التى كشف عنها الرئيس الصينى شى جين بينج (64 عاما)، والذى أعادت اللجنة المركزية للحزب انتخابه أمينا عاما لها ورئيسا للبلاد لدورة ثانية تنتهى عام 2021، فى تقريره أمام المؤتمر خطة إطلاق “مسيرة جديدة لبناء الدولة الاشتراكية الحديثة”، وذلك على مرحلتين الأولى تستمر من عام 2020 إلى 2035، أما المرحلة الثانية فتشمل الفترة من عام 2035 إلى منتصف القرن الحالى، حيث يتم خلالها إنجاز بناء الدولة الاشتراكيةً الحديثةً القوية ذات التأثير الدولى. وقد شهد المؤتمر تأكيدا على استمرار تبنى الصين النهج الشيوعى، لكن بخصائص صينية تتعاطى مع الزمن وتتطور مع تفاعلاته ومتطلباته، وهى خلاصة أفكار الرئيس شى جين بينج، الذى أقر المؤتمر إدراجها فى دستور (ميثاق) الحزب، وهو ما يضع هذه الأفكار فى مرتبة تاريخية مهمة، ويضم شى إلى زعيمى الحزب التاريخيين ماو تسى تونج، ودنج شياو بينج، بل ويصبح أول زعيم صينى يتم إدراج اسمه فى دستور الحزب خلال توليه السلطة بعد ماو. وفى ظل التعقيدات التى تشهدها المنطقة المحيطة بالصين لم يغفل الحزب الإعلان عن خططه لبناء جيش حديث بحلول عام 2035، وتحويل الجيش الشعبى إلى جيش من الدرجة الأولى فى العالم قبل منتصف القرن، وتنبع هذه الخطط من أفكار الرئيس شى، الذى أُعيد انتخابه رئيسا للجنة العسكرية، وتم إدراجها فى دستور الحزب أيضا، مع نص يقول: “يقود الحزب الشيوعى الجيش قيادة مطلقة”. هذه الخطط الصينية الطموحة تبدأ فى تنفيذها القيادة الجديدة، المتمثلة فى اللجنة الدائمة للمكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى، والتى تم انتخابها لقيادة الصين خلال الخمس سنوات المقبلة، والمعروفة ب”لجنة السبعة الكبار، والتى تضم بالإضافة إلى الرئيس شى كلا من: لى كه تشيانج (62 عاما)، رئيس مجلس الدولة، ولى تشان شو (67 عاما)، ووانج يانج (62 عاما)، ووانج هو نينج (62 عاما)، وتشاو لى جى (60 عاما)، وهان تشنج (63 عاما)، والذين يتمتعون بتجربة سياسية وحزبية كبيرة، ويشتركون فى عدة أشياء يمكن ملاحظتها بفحص سيرهم الذاتية، منها أن جميعهم -للمرة الأولى فى اللجنة- مولودون بعد عام 1949، الذى شهد تأسيس جمهورية الصين، كما أنهم بدأوا عملهم السياسى مع انطلاق الانفتاح الاقتصادى بالصين عام 1978، ويحملون جميعا شهادات جامعية، لكن السؤال الذى يطرح نفسه: هل ستواصل الصين السير على هذه الخطط بعد عام 2021، الذى من المنتظر أن يشهد تولى قيادة جديدة؟.