الأفكار الجيدة لا تموت, ومن الممكن تنفيذها في أي وقت لراحة البشر.. ومن بين الافكار الجيدة التي وجدت مشاركة فعالة واسهاما سريعا وانجازا ملموسا قبل ما يقرب من مائة عام . كان مشروع خط سكة حديد الحجاز الذي كان يشق الجزيرة العربية حاملا حجاج بيت الله الحرام حيث تقدم عماد المهدي عضو مجلس الشوري ووكيل لجنة السياحة والثقافة والاعلام باقتراح للدكتور أحمد فهمي رئيس المجلس, لاحياء احد معالم التلاحم الاسلامي وابرز مظاهر وحدة الأمة العربية خط سكة حديد الحجاز ذلك القطار المهيب الذي يشق الجزيرة العربية قادما من تركيا ودمشق حاملا الحجيج في طريقهم للمدينة المنورة لتأدية الشعائر المقدسة, والذي توقف قبل قرن من الزمان بعد ان استمر زهاء9 سنوات تسبب خلالها في نهضة عربية سيظل يذكرها التاريخ. وتعود بدايات الخط الحديدي التاريخي الي أوائل القرن التاسع عشر في عهد الدولة العثمانية, حينما اعتزم السلطان عبدالحميد الثاني ربط اجزاء الدولة مترامية الاطراف وتقوية اواصرها وتوحيد مشاعرها كسياسة عليا للبلاد من خلال انشاء ومد اول خط سكة حديد من اسطنبول للمدينة المنورة مرورا بالعراق وسوريا والاردن, لنقل حجاج بيت الله الحرام وتخفيف المشقة التي طالما كانوا يلاقونها في سفرهم لأداء الفريضة, حيث كانت الرحلة تستغرق مابين40 و60 يوما من بعض الاقطار, فكان طريق الحج المصري من سيناء مثلا يمتد بطول1450 كيلو مترا تستغرقها الرحلة في41 يوما, بينما طريق الحج الشامي يمتد بطول1302 كم فضلا عما كانوا يتعرضون له من اخطار كغارات قطاع الطرق وغيرها من مصاعب وأهوال الطريق. وأراد السلطان عبدالحميد ان يضفي علي مشروعه الطابع الاسلامي كما يؤكد وكيل لجنة السياحة والثقافة والاعلام بمجلس الشوري بأن يكون تمويل المشروع الحديدي برأسمال اسلامي بحت بعيدا عن الاستدانة والمعونات والمساعدات الاجنبية, فقد لجأ لاستقطاع اجزاء من رواتب واجور العاملين بالدواوين دون ان يصدر عنهم اي اعتراض او امتعاض, كما جمعت جلود الاضاحي وتم تحويل ميزانية بيعها لمصلحة الخط, ولجأ لمناشدة الدول الاسلامية وفتح باب التبرع للمشروع الأمر الذي كان له ابلغ الاثر ولقي استجابة رائعة تجلت فيها القومية في أروع صورها لتنهال التبرعات من مختلف الاقطار والدول, وحتي الدول ذات الصراع التاريخي مع العثمانيين, للمشاركة في انشاء الخط وتستمر الي ما بعد اتمامه ووصول اولي رحلاته الي المدينةالمنورة رغبة في مد خطوطه لمكة المكرمة ومنها الي جدة, إلا ان ذلك لم يحدث نظرا لظروف الحرب. وكان السلطان يميل لاتمام الخط الحديدي دون الاستعانة بالمهندسين الاجانب قدر الامكان فاعتمد علي المهندسين الوطنيين, ولمواجهة نقص العمالة استعان بالجيش العثماني آنذاك وبقوات بلغ عددها نحو ستة آلاف من الجنود أخذوا علي عاتقهم سرعة العمل وتحملوا العبء الأكبر في الانجاز, ليخرج القطار اخيرا بعد9 سنوات من العمل مستغرقا زمن الرحلة وقتها في5 أيام, ثلاثة منها فقط هي زمن الرحلة الحقيقي بينما المدة الباقية كانت تضيع في التوقف بالمحطات وتغيير القطارات, وكان الخط ينطلق من دمشق حيث كان يتفرع الي خطين احدهما يكمل المسير الي الجنوب نحو الاردن اما الآخر فكان يتجه غربا باتجاه فلسطين, حيث حيفا وعكا ونابلس اهم محطاته, ومن حيفا كان يتفرع خط آخر من السكة الحديد ربط فلسطين بمصر, حيث كان يلتقي الحجاج المصريون باخوانهم من الحجاج الشوام ليستأنفوا الرحلة المقدسة سويا للأراضي الحجازية. ويستطرد المهدي أنه ربما يعتقد البعض ان وقوع إحدي نقاط مسار الخط القديم في الاراضي المحتلة حاليا عقبة في طريق اعادة احيائه او معضلة يمكن ان تعطل تنفيذه مرة ثانية, إلا ان ذلك يمكن التغلب عليه من خلال تعديل المسار واختيار نقطة اخري بديلة داخل فلسطين ليعود القطار ويستأنف سيره للاراضي المقدسة, ويضيف عماد المهدي انه بالرغم من ان فكرة الخط الحديدي جاءت مع افول الدولة العثمانية إلا انه كان أروع الانجازات الحضارية والسياسية والدينية, واهم المشروعات الاستراتيجية بالمنطقة, واستطاع علي مدي الفترة التي بقي فيها قائما قبل ان تمتد اليه يد التخريب ابان الحرب العالمية ان يقدم خدمات جليلة للحجاج في العالم العربي والاسلامي من نهضة تجاربة واقتصادية لمدن الحجاز, وعلي رأسها المدينةالمنورة التي اضاءتها الكهرباء للمرة الاولي مع وصول اول رحلات القطار1908 وكذا جميع المدن الواقعة عليه, ومنها حيفا التي تحولت الي ميناء ومدينة تجارية مهمة. ويؤكد عماد المهدي عضو مجلس الشوري, ان إعادة تفعيل وتشغيل هذا الخط سيؤدي لزيادة التبادل التجاري بين الدول العربية والاسلامية وانعاش حركة التجارة الدولية ومكافحة الركود الاقتصادي و توفير فرص اكبر للحج. ويفجر وكيل لجنة السياحة والثقافة والاعلام بمجلس الشوري مفاجآت, انه في حالة عدم الإسراع بإحياء الخط فان هناك محاولات صهيونية اسرائيلية للسطو علي هذا الانجاز التاريخي وسرقة التراث العربي بدعوي خدمة عمليات الشحن ونقل الحجاج المسلمين والمسيحيين من خلال اعادة تشغيل الخط الحديدي ما بين حيفا شمال فلسطينالمحتلة والمملكة السعودية مرورا بالأردن.