مائة عام وبضعة أيام وجرح القدس النازف لا يندمل.. وإذا بركلة مؤلمة تفجره من عصا جولف رئيس مغامر يعشق الإثارة وقلب الطاولة.. سيد البيت الأبيض دونالد ترامب اتخذ القرار الأخطر.. ليس على صعيد الشرق الأوسط أبدا فقد اعتادت منطقتنا جحيمها.. هو قرار من بين الأخطر على الأمن القومى الأمريكى نفسه.. قرار خشى من هول تبعاته 3 رؤساء سابقين.. واستمر تأجيله كل 6 أشهر على مدى 22 عاما.. فهل هى شجاعة؟ هل هى جرأة؟. «نحن مقتنعون بأن دونالد ترامب فى المكتب البيضاوى سيكون الرئيس الأكثر استهتارا فى التاريخ الأمريكى .. سيكون رئيسا خطيرا يضع الأمن القومى لبلادنا ومصلحتها فى خطر».. من بيان وقعه 50 مسئولا بارزا من صقور الأمن الأمريكى الجمهوريين إبان ترشح ترامب للرئاسة. 6 انسحابات كبرى قادها ترامب من التزامات أمريكا الدولية.. تتخذ أمريكا موقعها فى صدارة العالم، ليس بثرواتها وتطورها التكنولوجى والعسكرى فحسب، وإنما بقواها الناعمة المبسوطة سيطرتها على أطراف الدنيا، وهاهو ترامب يتنحى عنها تباعا.. القدس ليس الالتزام الأول.. سحب الرجل يد أمريكا من اتفاق الهجرة ومنظمة اليونسكو والشراكة مع كوبا واتفاقية باريس للمناخ واتفاق الشراكة عبر الأطلسى وفرض قيودا على مهاجرى الدول انتقائيا. أخبرنا الرجل برسائله صراحة ولم نصدق.. ستكون أمريكا أكثر انكفاء وانغلاقا ونفعية.. ستترجل عن صهوة قيادة العالم كقطب أوحد.. أمر تجلى فى قراره المنفرد بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها ليتحول فى لحظة من راع لحل الأزمة إلى طرف فيها.. ويكتب نهاية حقبة من الرعاية الأمريكية للسلام بالشرق الأوسط.. رعاية لم تمنحه سلاما قدر ما غنمت واشنطن من استمرار حربه وانحازت فيه قلبا وقالبا مع إسرائيل. أسقط ترامب عن كاهله التزامات أثقلت، فى نظره، كاهل الولاياتالمتحدة.. ولكنه أحل الدول العربية من التزامها بالقدر نفسه، وما من رد فعل يعادل الفعل سوى الدفع نحو إعلان دولة فلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، وحشد الاعتراف الدولى لها، فى ظل قبول دول كبرى كروسيا والصين وأوروبا بالمبدأ، ليس منطقيا أن يسير العالم بأسره وفق هوى طرف واحد حتى وإن كان الأقوي. فى هذا المسار.. لا بديل عن أن يسبق القادة العرب شعوبهم بخطوة.. لسنا بحاجة لقرون أخرى من البكاء على القدس المسلوب، هو واجب دينى والتزام وطني، مهما اشتد الخطب واتسعت بؤر الصراع. فلسطين.. قضيتنا التى ضاعت بين رأيين.. أحدهما يظن أن أهل فلسطين أولى بخوض نضالها وهو رأى يعتريه الصواب وتنتقصه الأنانية.. القدس قضية داخلية فى كل بلد عربى مسلم، فعلى ظهرها قامت دعاية المعارضين.. وتاه المخلصون بين المنتفعين.. وتحت لوائها خرجت فتاوى المتشددين بالجهاد وإهدار الدم.. وخلف ردائها تخفى الأصوليون والتكفيريون بين حشود المعتدلين، وبرنينها الجذاب صفوا الجماعات وصدروا الأفكار واختطفوا أجيالا من الشباب إلى ساحات الإرهاب. أما الرأى الآخر هو المطبع مع الهزيمة بكثرة التغنى بها.. وقد نشأت أجيالنا والأجيال التى سبقتنا على أن فلسطين هى قضيتنا ونضالنا مهما طال الزمن.. ونظمنا الأشعار فى هواننا عن الأخذ بالحق حتى اعتدنا ضياعه.. غير أنه كما «آن أون» ترامب بإعلان القدس «الذى تأخر كثيرا» من جانب واحد .. فقد آن الأوان لنا أن نعلن، «من جانبنا» دولة فلسطين وعاصمتها القدسالشرقية.. وهو قرار «تأخر عقودا» التزاما بمسار تفاوضى لا ينتهي. «القدسالغربية عاصمة لإسرائيل والشرقية عاصمة لفلسطين».. عبارتان على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف أخذت بهما روسيا مقود رعاية عملية السلام بالمنطقة، برؤية أكثر انسجاما مع ما هو متفق عليه فلسطينيا وعربيا ودوليا، هكذا ترتد تبعات زلزال ترامب على قواعد أمن الولاياتالمتحدة، حيثما انحسر نفوذ واشنطن امتد نفوذ موسكو.. أما اعتراف أمريكا فيخصها وحدها.. وأما إسرائيل فستبقى دولة احتلال وأما فلسطين فدولة عربية محتلة حتى تستقل، وأما القدس فستعود.. إن لم يكن بنا.. فبأبنائنا. لمزيد من مقالات ◀ أحمد هوارى