»لقد انتهت نهاية موفقة وبسلام، برعاية كاتب الخزانة «كاجاب» من إدارة خزائن الملك، وكذلك برعاية الكاتب «حورس» كاتب «مر إم بت». وأنجزها «أنانا»، مالك هذه البردية. من يذكر هذا الكتاب بسوء، سيكون «تحوت» خصماً له». ................................................................... كُتبت هذه العبارة فى ختام إحدى القصص الأدبية المصرية. وهى تدل على إدراك المجتمع المصرى القديم قيمة الكلمة وأثرها، فمن الماثورات الشائعة حينذاك قولهم: «الكلمة أخطر من الحرب»، بل إن الرب بتاح، بحسبها، خلق الكون والكائنات بالكلمة، ولم تكن حروف اللغة المصرية سوى بصمات الله فى الكون، كما نصت الأساطير المصرية على أن تحوت، رب الحكمة، أول من اخترع اللغة المصرية، وقال عنه الفيلسوف اليونانى الشهير «أفلاطون» إنه هو «الذى اخترع الأعداد والحساب والهندسة»، وأهم من ذلك كله، أنواع الأدب. كما قال أفلاطون أيضاً إن «تحوت» «مبدع اللغة وكل العلوم». ولما كان للغة هذا الشأن فإن الأرباب اجتمعوا للتشاور فى أمر نقلها إلى البشر. وفى سقارة يرقد «بتاح حتب» فى مقبرته الفخمة، وهو وزير الأسرة الخامسة (2400 قبل الميلاد) وصاحب أول كتاب وضع للناس، كتاب يضم حِكما وأمثالاً تحض على الحق والخير والجمال والسلوك القويم، منها على سبيل المثال: «من أحسن السمع أحسن الكلام»، و «لم يولد أحدٌ حكيماً»، وكذلك: «لا تغتر ولا تزه بعلمك». وفى العصر الحديث يتضح كذلك أثر الكلمة فقد كان حل رموز اللغة المصرية فتحاً عظيماً غير وجه تاريخ الإنسانية. يقول الشاعر الألمانى اليهودى»إريش فريد» فى قصيدة له بعنوان «قتل المصريين»: «منذ موسى، كُتب على المصريين الموت، الموت جزاؤهم العادل، والحرب ضدهم غير كل الحروب»، نعم هى حرب لتشويه وطمس ملامح الشخصية المصرية الفريدة، هى حرب لقتل الروح المصرية المبدعة الوثابة، فتاريخ الإنسانية لم يعرف أمة نُهبت آثارها وفنونها وعلومها وآدابها كما نهبت مصر عبر عشرات القرون، فكان لزاماً علينا الدفاع عن هويتنا وتطهيرها من كل دنس ألصق بها ليعود وجهها مشرقاً. لهذا. ولأسباب أخرى كانت ترجمة قاموس اللغة المصرية أمراً حتميا، والقاموس وضعه مجموعة من علماء المصريات فى سبعة مجلدات، استغرقت نحو خمسة عشر عاماً، وأصدرته أكاديمية برلين فى 1926، وتتبدى أهمية ترجمته فى النقاط الأساسية التالية: توفير قاموس للغتنا المصرية شأن اللغات الأخرى. ترجمته نقطة انطلاقٍ لتمصير علم المصريات، ما يمهد لترجمة النصوص المصرية مباشرةً عن اللغة الأصل، وسيكون القاموس مرجعاً للمهتمين من المثقفين والمتخصصين والمترجمين، وسيكون أحد الركائز الرئيسية لدراسة اللغة المصرية القديمة. ومن خلاله يمكننا التعرف على أصل اللفظ، وطريقة كتابته الصحيحة، خالصاً من الإضافات والتحريفات. ويسهم العمل فى إبراز الشخصية المصرية المتفردة، ما سيكون له أثرٌ إيجابى على الهوية الخالصة. ويسهم أيضا فى تصحيح مفاهيم مغلوطةً شائعة عن الحضارة المصرية، كان للغة أثرٌ واضحٌ فيها، ومن أشهر الأخطاء ترجمة كلمة «نتر» ب «الإله» ما دعم تهمة الوثنية، وتعدد الآلهة فى مصر القديمة، فذات الله الخفية فى اللغة المصرية عرفت بلفظ: «هُو» أى الله، ومازالت ذاكرتنا الشعبية تحتفظ بعبارة «جاى يا خلق هو»، و»جاى» فى المصرية القديمة لفظ استغاثة، فيكون معنى العبارة: «إلحقونى يا خلق الله». ومعرفتنا بأصل الكلمة المصرية يحررها من أى تحريف لحق بها، حيث قام البعض بإضافة حروف حلقية (صوتية) إلى أصل الكلمة، مثل إضافة حرف الواو إلى اسم الرب «آمن» ليصير «آمون»، وهو ما يختتم به الصلاة عند اليهود والمسيحيين، وهو إضافة شفهية بعد الفاتحة فى الإسلام، وأُضيف حرف الياء إلى «من» فأصبح «آمين» وهو «رب الخصوبة»، ورمز الذكورة، وهو أصل كلمة «man» فى اللغات الأوروبية، وهناك لوحة شهيرة بمعبد الأقصر تصور الاسكندر الأكبر يتلقف منى الرب «من» فى وعاء. واصطلح على استخدام أسماء الأرباب المصرية بحرفها ونطقها الأغريقى مثل:»حورس» و»أوزيريس» و»إيزيس» فإذا ما أعدنا هذه الأسماء إلى أصلها المصرى عادت من غربتها وصار معناها مفهوماً، فاسم حورس باللغة المصرية هو: حُر، وهو صقر مصرى أصيل يحمل الاسم نفسه إلى اليوم. أما أوزير، أو «أزر» فتعنى «القوى أوالمتين» باللغة المصرية، وأما «إيزيس» باليونانية، فهى «اسّت» كما ننطقها اليوم وترسم على هيئة عرش مصر وتعنى السيدة، والمذكر منها هو «سى» وتعنى السيد. ومن أرباب المصريين الذين تم تحريف أسمائهم كان الرب:»سقر» الذى ينقله البعض عن الكتاب الغربيين ب «سوكر»، وسقر رب منطقة سقارة القائمة حتى الآن بمحافظة الجيزة، وهو أيضا «رب النار الحامية» التى كانت الأرباب نفسها تخشى الدنو منها. وذكر القرآن الكريم فى سورة المدثر: «سأصليه سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقى ولا تذر، لوّاحة للبشر». ومن الكلمات المصرية المتداولة إلى الآن: «الآخرة»، و»نبى» من كلمة «نب» أى «السيد»، مضافاً إليها ياء النسبة، و»الحاقة» بمعنى «هُوّة» يخشى المتوفى السقوط فيها، وبمعنى «هيا»، و»حفيظ»، و»حية»، و»محن» بمعنى ثعبان، و»أوى» بمعنى جداً، كما وردت كلمة «فكّة» فى نص «لوحة مرنبتاح» الشهيرة فى تعبيره عن القضاء على قوم اسرائيل. ولا يسعنا سوى الشكر والعرفان للعلماء الأجلاء الذين بذلوا الغالى والنفيس لوضع قاموس اللغة المصرية, ونورد هنا جزءا من المقدمة التى وضعوها فى بداية هذا العمل العظيم: «كانت أكاديمية بروسيا للعلوم هى من بعثت فيه الحياة عام 1879. ولقى مشروعها تفهماً مقبولاً لدى مستشار وزارة الثقافة آنذاك، وتحمل تكاليف المشروع جلالة القيصر الذى وافق على صرف 120.000 مارك، على دفعتين من صندوق التمويل الخاص به لدى الرايخ. كما أمدتنا أكاديمية برلين منذ 1903 بدعم مالى سنوى بلغ 40.000 مارك، بينما ساندتنا أكاديمية «جوتينجن»، وأكاديمية ميونيخ فى أثناء السنوات العصيبة من 1919 إلى 1922. وهكذا استطعنا أداء عملنا خلال هذه السنوات بفضل رعاية الأكاديميات، ودعم وزير ثقافة بروسيا، حتى الحرب لم تعرقل هذا العمل. ولما هددتنا ضغوط ما بعد الحرب بتوقف العمل، جاءتنا مساعدة غير متوقعة لم نطلبها من أصدقاء داخل البلاد، ومن السويد وسويسرا وانجلترا وأمريكا، من السيدة «كارولين رانسوم ويليامز»، ومن السادة «فون بيسينج، وشبيلبرج، وهيس، وكارلسون، وبير لوجن، وجاردنر وبلاكمان، وبول والن وفولفينج وبرستيد . ونحن ندين بالشكر للسيد برستيد لحثه السيد «جون د. روكفلر» الذى وفر لنا عن طيب خاطر وسيلة إصدار هذا القاموس بشكله الذى ظهر به. لذا نقدم الشكر له ولجميع الآخرين الذين ساندونا قولاً وفعلاً خلال تسعة وعشرين عاماً استغرقها هذا العمل. وعن القاموس وهدفه تقول المقدمة: «لقد كان واجبنا الأول هو الحصول على النصوص، ولم يكن الكثير منها قد نُشر، وغيرها التى نشرت بالفعل، كانت تعانى أخطاء نشر قديمة مما جعلها غير صالحة للاستخدام لهذا القاموس. ولذا كان علينا مراجعة أغلب النصوص من جديد، أو مقارنة بعضها ببعض. وبدأ العمل على يد السيدين «فيلهلم هينتسه»، و»لودفيج بورخارد»، فهما من وضعا فى 1898 أهم أساس لعملنا، أى نصوص الأهرام. وفى عاميّ 1900 و1901 قام السيد «برستيد» بمراجعة نصوص المتاحف الأوروبية. أسهم السيد «فرسنيسكى» (1905) بمدنا بنصوص مجموعة فيينا. كما قام السيد جاردنر (1905) بنسخ برديات متحفى ليدن، وتورين، وأخرى متفرقة من المجموعة الانجليزية، وقام السادة «إرمان وزيته»، و»شتايندورف» بمقارنة أهم برديات المتحف البريطانى. أما متحف القاهرة فقد عمل فيه السادة إرمان (1899) وشافر(1900) و زيته (1905). وفى المقابر المصرية عمل السادة إرمان(1899)، و»بورخارد» و»شايندورف» (بتل العمارنة 1899)، ثم يجيء دور السيد «زيته» فى المقام الأول الذى عمل عام 1905 فى كثير من «المقابر الخاصة» المهمة بالأقصر التى تنتسب إلى الدولة الحديثة. وقام بنسخ ومقارنة نصوص المعابد السادة «بورخارد» (أبيدوس 1900) و زيته ( الأقصر 1905 ) وبريستد (أبو سمبل 1908) و روش (أسوان 1909). أما معابد العصر البطلمى، التى كانت على أهمية كبيرة لقاموسنا فقد قام السيد «يونكر» بنسخ نصوصها التالفة (1905) ثم عمل فى المعابد نفسها منذ ( 1909 ) . وفى أثناء ذلك تعاون مع السيد شافر فى انقاذ نصوص معبد فيلة قبل أن يسطو عليها البرابرة الجدد. وكانت الحكومة البروسية هى من يسرت لنا هذا العمل من خلال دعمها الكريم». ولم يدخر العلماء من مختلف أنحاء العالم جهدا فى المساهمة فى إنجاز هذا العمل العلمى المهم كما جاء بمقدمة القاموس على النحو التالي: «كما يتوجب علينا تقديم الشكر فى إمدادنا بنصوص متفرقة إلى السادة «آبل وكارتر وكرنى وديروف وه. و. لانج وليفبار ومالر ونافيل ونيوبرى ورينهاردت وسجولمرو وشبيلبرج وآخرين وكذلك الآنسة مكدونالد. وجدير بالشكر هنا أيضاً السيد الدوق «اكرو وفاريهرر فون»، ود. «بوشه» اللذين يسرا لنا فى العام 1905 الإطلاع على اللوحات المصرية بمتحف ريو دى جانيرو . كما ندين بشكر خاص للسيد جولنيشف لتفضله بإمدادنا عام 1905 بالبرديات النفيسة من مجموعته الخاصة. .................................. تم ذلك من خلال اكتشاف حجر رشيد على يد أحد ضباط الحملة الفرنسية «بيير فرانسوا بوشار» عام 1799 بمدينة رشيد فى أثناء هدمه جدار قلعة هناك من أجل التصدى لهجوم القوات الانجليزية. وهو نصب تذكارى وضع نصه عام 196 قبل الميلاد تخليداً للملك البطلمى بطليموس الخامس و ترجع أهمية هذا النص إلى كتابته باللغة المصرية وترجمة هذا النص باللغة اليونانية مما أسهم فى حل رموز اللغة المصرية بمقارنة حروفها و كلماتها باللغة اليونانية.