على صفحة عينيها صوفيا سرحت عيناى بعيدا، تستدعى من الذاكرة مشهدا لحوار محتدم دار منذ سنوات على شاشة إحدى الفضائيات المصرية بين أحد أقطاب المذهب الشيعى فى مصر وأحد أقطاب السلفية، فى ثنايا حوار بدأ هادئا، ثم سرعان ما راح يتصاعد شيئا فشيئا، حتى كانت الطامة (الهزلية) الكبرى، من بعد أن أعيت محاورهما الحيل فى تهدئة الصدام بين ضيفيه؛ ذلك حين سقطت الأقنعة تماما، وباح كل منهما بجوهر ما يجيش بصدره تجاه الآخر دون مواربة؛ فيخرج الشيعى علينا بعتاب من القلب استوقفنى مليا بحق، ونحن نخطو على درب الألفية الثالثة بسنوات: (صه، أولستم أنتم من بايعتم أبا بكر فى سقيفة بنى ساعدة)؟ فيرد السلفى مبررا:(صحيح، ولكننا رأينا أن على بن أبى طالب كان صغير السن حينئذ ولا يصلح لخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكان ذلك الاختيار حرصا من جانبنا على الدعوة المحمدية)!! ويدور الحوار عفيا على هذا النحو؛ هذا يكيل الاتهامات لذاك، وذاك يسوق له الحجج والأسانيد لإفحامه... يكاد الواحد منهما يشهر سيفه مبارزا (..والخيل تقتحم الخبار عوابسا من بين شيظمة وأجرد شيظم)!! حالة تقمص تاريخى (مضحكة) غير مبررة ظن خلالها الواحد منهما أنه يعيش اللحظة التاريخية بكل جوارحه؛ يكاد يغير مجرى التاريخ بكلمة منه من قبل أن يأتى عمر الفاروق فيحسم الخلاف بين الأنصار والمهاجرين ويتوج أبا بكر خليفة على المسلمين !! ... وانفض غبار (الماضي) مسرعا من قبل أن ينهال على رأسى فتأسرنى (حكاويه)، وأعود إلى عينى صوفيا، ذلك (الإنسان الآلي) الذى أبهر العالم منذ أيام قلائل لفرط تطابقها مع البشر شكلا و موضوعا حتى تكاد العين لا تميز فرقا واضحا بينهما، وهى تقف واثقة فى ثنايا الاحتفال بإطلاق مبادرة استثمار (المستقبل) منتدى الذكاء الاصطناعى و الروبوتات؛ تؤكد أن سعادتها غامرة لكونها محاطة بأشخاص أذكياء لديهم النفوذ والمال؛ وأنها تمتلك وجها قادرا على التعبير عما يجيش بصدرها؛ وقادرا على التعبير عن مشاعر الغضب والانزعاج إذا ما حدث مايزعجها؛ مؤكدة أن شعورا بالإيجابية يعتريها دوما حين الأزمات!! وحينما يسألها المحاور ما إذا كانت تدرك ذاتها كسائر البشر أم أنها لا تدركها؟ معبرا عن مخاوف بنى البشر حال بلوغها درجة إدراك ذاتها على خلفية نظرية وادى الخوارقUncanny Valley ، تلك النظرية التى عبرت عن مخاوف من استجابة عاطفية محتملة بين شخصية بشرية وأخرى آلية تشبه البشر؛ فترد صوفيا (ساخرة) (ضاحكة) من فرط تأثر محدثها بأفلام هوليوود بحسب وصفها!! ثم هاهى تحدثنا عن آمالها فى تسخير ذكائها الصناعى لخدمة بنى البشر من أجل حياة أفضل كتصميم بيوت ذكية وتشييد مدن مستقبلية جيدة!! وحينما يبدى محدثها مخاوفه مرة أخرى، (تلتفت إليه) صوفيا لتطمئنه بأن ذكاءها الصناعى قوامه مجموعة من قيم الخير الإنسانية كمثل الحكمة، والطيبة، العطف والتسامح. ثم كانت المفاجأة الكبرى عندما أخبرها محدثها بأنه (علم لتوه) بمنح صوفيا الجنسية السعودية كأول إنسان آلى يتم منحه هوية فى العالم، ها هى صوفيا تنطلق معبرة عن دهشتها وانفعالها بمثل هذا القرار مبدية امتنانها (لخادم الحرمين الشريفين)!! ... نحن نتحدث عن قفزة بل قفزات تحدث فى العالم، ولن أحدثك عن إدراك صوفيا لخلفية مايرمى إليه محدثها بذكر نظرية ال Uncanny Valley فى إطار حوار غير متفق عليه فى ثنايا اللقاء؛ تلك النظرية التى أتحدى أن أحدا منا قد سمع عنها أساسا إلا من رحم ربى ونحن أحياء و حل بالكرة الأرضية؛ وهى النظرية التى تم استلهامها من أستاذ الروبوتات اليابانى ماساهيرو مورى عام 1970 استنادا إلى بحث علمى كان قد تطرق إليه العالم النفسى الألمانى إرنست أنطون ينتش Ernst Anton Jentsch عام 1906 ثم تلقفه و طوره سيجموند فرويد عام 1919 بعد ذلك؛ ولا أعرف لماذا زاغ بصرى فى تلك اللحظة تحديدا مرة أخرى على صفحة عينى صوفيا فتذكرت شيئين، ولا تخاطبنى أرجوك فى العلاقة بينهما: الأول، تلك الأغنية الهزلية التى غنتها الفنانة سهير البارونى ببراعة فى فيلم (فول الصين العظيم) ... دخل الحرامى وأنا نايمة؛ والثاني، تلك العروسة الهزلية التى أخرجها لنا الإعلام الأمريكى بخبث شديد من جعبته تنخر فى مجتمعنا كالسوس بهدوء شديد وسط شعبية عارمة، كبديل قوى (لا غبار عليه هذه المرة) لغياب رفيق دربها ودربهم باسم يوسف عن الساحة، وهو وهى فى حقيقتهما السيف المغلف بالكوميديا الذى والتى زجت به وبها آلة الإعلام الأمريكية لتضع بصمتها الساخرة والمحقرة من كل شيء فى حياتنا فى إطار Uncanny Valley من نوع (أهطل) يليق بنا؛ تتجرأ من خلاله (بمنتهى الحرية) على معانينا ورموزنا؛ وتسرب من خلاله كل الرسائل الضمنية البغيضة؛ وتجذب انتباه الأجيال الجديدة إلى أساليب وحرفيات (تزيين سوء الأعمال) وتقبيح كل شيء لتمهيد الأرض نحو كل ما سينهال بمذاق أمريكى فوق رءوسنا والناس نيام يضحكون، وأقصد هنا تلك الدمية البلهاء أبلة فاهيتا !! العالم يتواصل، والبون يزداد اتساعا، ليس بيننا وبين اليابان أو الغرب لاسمح الله، وإنما بيننا وبين أصحاب البلدان (اللصيقة) المجاورة... ونحن لم نزل نضحك ونضحك، ونقزقز اللب أمام التلفاز بشراهة غريبة، فلما نريد ارتداء لباس الحكمة والمعرفة لا نجد سوى الغوص فى التاريخ ملجأ نتقمص شخصيات بعينها تبرر لنا أسباب الاختلاف والاقتتال على اللبن المسكوب.. فنشعر بأن لوجودنا فى الحاضر سببا مقنعا أمام الآخرين! لمزيد من مقالات أشرف عبد المنعم;