يعد التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت 2017 بمثابة خريطة معلوماتية كاملة لأوضاع المجتمع المصرى وتطورها خلال فترة زمنية تقارب العشر سنوات، وهو التعداد الرابع عشر فى سلسلة التعدادات الحديثة، ويعتبر اول تعداد إلكتروني، منذ التعداد الأول الذى أجرى عام 1882، من هنا تأتى أهمية ما يقوم به الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى هذا المجال، خاصة فى هذه المرحلة التاريخية المهمة من تاريخنا، إذ ان المتتبع لأعمال الجهاز يلحظ على الفور مدى التطور الذى حدث فى كل البيانات والمؤشرات الصادرة عنه ليس فقط من حيث الانتظام فى الصدور، وهى مسألة ضرورية ومهمة فى ظل ماكنا نعانى منه من تأخر شديد فى نشر البيانات والمعلومات ولفترة كانت تزيد على العامين، مما يفقدها الكثير من أهميتها العلمية والعملية، ولكن وهو الأهم من حيث المصداقية اذ أصبحت بيانات الجهاز تحظى بمصداقية عالية من جانب معظم المستخدمين، داخليا وخارجيا، نتيجة لارتفاع جودة البيان ذاته واتساقه مع المعايير الدولية والعلمية، وهذا يرجع بالتأكيد الى جميع العاملين بالجهاز والقائمين عليه، خاصة اللواء أبو بكر الجندى الذى يقوم بدور مهم واساسى فى هذه المسألة، واثبت وبحق ان الإدارة السليمة جزء لا يتجزأ من العمل الناجح. ويعد من نافلة القول بان المعلومات الصحيحة أصبحت مسألة جوهرية وأساسية وضرورية ومهمة لجميع المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء. اذ ان ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التى تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطار حقيقى مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم لا يتم الا عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع، وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. وقبل ان نتعرض لبعض المسائل والأمور المرتبطة بهذه المسألة نتمنى ان يتم إجراء التعداد كل خمس سنوات بدلا من الانتظار لمدة عشر سنوات ونعتقد انها أصبحت مسألة بسيطة وسهلة فى ظل التطورات التكنولوجية الراهنة، وكذلك نجاح إجراء التعداد الحالى اليكترونيا، وهو ما سبق ان قام به الجهاز فى بحث الدخل والإنفاق الذى كان يتم كل خمس سنوات، وأصبح يتم الآن كل سنتين، وهو من الأبحاث المهمة جدا التى يقوم بها الجهاز وللأسف لا تحظى بالمتابعة الدقيقة من المجتمع رغم خطورة وأهمية النتائج المترتبة عنه. فى هذا السياق يطرح علينا التعداد الأخير عدة أمور مهمة تتعلق بالمعلومات والبيانات والاطر المؤسسية الحاكمة لها، أولها، انه من الضرورى والمهم إعطاء الجهاز الصلاحية الكاملة ليصبح المصدر الأساسى والرئيسى للبيانات والمعلومات فى مصر، وهذا لا ينفى بالطبع المصادر الأخرى للبيانات مثل وزارة المالية كمصدر لبيانات المالية العامة، والبنك المركزى، باعتباره المصدر الرئيسى للبيانات المتعلقة بالأوضاع النقدية والائتمانية، وهو ما يتطلب العمل على محاور عديدة، أولها إعادة النظر فى الأطر التشريعية والتنظيمية المنظمة لعمل الجهاز، فلا يعقل ابدا ان تظل منظومة التشريعات الحاكمة لهذه المسألة هى ذاتها الصادرة فى ستينيات القرن الماضى مثل القانون رقم 189 الصادر سنة 1958 والقاضى بإلزام المؤسسات العامة والشركات والجمعيات بتقديم بيانات عن الموظفين، والقانون رقم 35 لسنة 1960 فى شأن الإحصاء والتعداد، والقانون رقم 87 لسنة 1960 فى شأن التعبئة العامة والقوانين المعدلة له، وكذلك القانون رقم 121 لسنة 1975 بشأن المحافظة على الوثائق الرسمية للدولة، وتنظيم أسلوب نشرها، ناهيك عن قرار رئيس الجمهورية رقم 2915 لسنة 1964 بشأن إنشاء وتنظيم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وقرار رئيس الجمهورية رقم 627 لسنة 1981 بشأن إنشاء مراكز المعلومات والتوثيق فى الأجهزة الإدارية للدولة والهيئات العامة واختصاصاتها، هذه الترسانة من القوانين والقرارات أصبحت معوقة لعمل الجهاز، خاصة فى خضم التغييرات الجارية والمتلاحقة على الساحتين العالمية والمحلية، اذ لم يعد بالإمكان العمل وفقا للقواعد والأطر الحالية وأصبح من الضرورى إعادة النظر فى هذه القوانين لتصبح اكثر قدرة وملاءمة للتعامل مع الواقع المعاش. وثانى محاور العمل يتعلق بضرورة إعادة النظر فى الهيكل التنظيمى للجهاز نفسه والأوضاع المادية والوظيفية للعاملين به، اذ انهم يعانون معاناة شديدة فى ظل أوضاعهم الحالية، رغم بعض التحسينات التى تمت الا انها لا تتناسب بأى حال من الأحوال مع ما يقوم به هؤلاء من اعمال، وما يتعرضون له من مشكلات فى تجميع البيانات خاصة فى قرى ونجوع مصر، هذا فضلا عن ضرورة إعادة النظر فى طريقة معاملة الموازنة العامة للجهاز، وبالذات فى تمويل انشطته المختلفة. وثالث المحاور يتعلق بضرورة العمل على تطوير مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بحيث يستغنى عن دوره كمركز معلومات، ويصبح أداة من ادوات دعم اتخاذ القرار على المستوى الوزاري، وذلك عن طريق ترك موضوع المعلومات للجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء وقصر دور المركز على دعم اتخاذ القرار عن طريق تقديم أوراق سياسات فى القضايا المهمة المطروحة على الساحة الفكرية والعملية ودراسة أفضل الحلول للمشكلات الراهنة ووضعها امام صانع القرار، وهو الدور المفتقد بشدة فى المجتمع. ورابع المحاور يتعلق بضرورة وأهمية الإسراع بإصدار قانون حرية المعلومات، تنفيذا للاستحقاق الدستورى من جهة، ولأهميته فى المجتمع من جهة اخرى بحيث يتيح الفرصة الكاملة للحصول على البيانات والمعلومات الصحيحة مع مراعاة التوازن الدقيق بين حرية تداول المعلومات والأمور المرتبطة بالأمن القومى للدولة او لصون صحة الأفراد وحقوقهم مع ضمان توافر المعلومات الدقيقة فى مواقيتها، وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية والموثقة، ويجب أن تنشر بعلنية ودورية من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومحاصرة الفساد، والمساعدة على اتخاذ القرارات الصالحة فى السياسة العامة من جهة أخري. مع العمل على تنقية القوانين القائمة من جميع المعوقات التى تحول دون تدفق المعلومات بطريقة صحيحة، مع العمل على إنشاء آلية قانونية لتنظيم حصول الأفراد على المعلومات. ويمكن أن يتم ذلك إما بإنشاء جهاز جديد يناط به هذه العملية برمتها، أو تعديل الوضع الحالى لأحد الأجهزة القائمة لتتولى هذا الموضوع، وهنا نقترح أن يكون ذلك هو الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مع تعديله بحيث يتم الفصل بين الإحصاء والتعبئة، إذ إن كل منهما وظيفة مختلفة تماما عن الأخري. وإدخال التعديلات التشريعية المحققة لذلك. وكلها أمور تسهم فى تحسين آليات صنع القرار الاقتصادى بالمجتمع، بما يضمن تعزيز المشاركة المجتمعية. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى