قوى النواب تنتهي من مناقشة مواد الإصدار و"التعريفات" بمشروع قانون العمل    نائب محافظ قنا يشهد احتفالية مبادرة "شباب يُدير شباب" بمركز إبداع مصر الرقمية    كتلة الحوار: «السيسي» يهتم بتوازن السياسات الاقتصادية مع الاستقرار الاجتماعي    أول رد من حزب الله على تهديد الاحتلال الإسرائيلي باستهداف مؤسسة القرض الحسن    تدريبات استشفائية غداً للاعبي الزمالك    إنتر ميلان يقهر روما في عقر داره ويرتقي لوصافة الكالتشيو    عامل يدفع حياته ثمنًا لتهور طفل.. ما القصة؟    بالفيديو.. بروفات المطربة جنات استعدادًا لحفلها بمهرجان الموسيقى العربية    حظك لمواليد برج الحوت اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024    بحضور نجوم الفن.. 40 صورة من حفل جوائز رمضان للإبداع    عمرو أديب: هل يتحمل صندوق النقد فشل تجربته في دولة بحجم مصر؟    استشاري الاستثمار: لا بديل لدينا سوى توطين الصناعة المصرية    منتخب الشاطئية يختتم تدريباته استعداداً لمواجهة تنزانيا غداً    جاهزون للدفاع عن البلد.. قائد الوحدات الخاصة البحرية يكشف عن أسبوع الجحيم|شاهد    ضبط 4 أشخاص تعدوا على سائق تروسيكل في حلوان    مناشدات أممية لإنقاذ شمال غزة من خطط التجويع والتهجير الإسرائيلية    خبير بالشأن الإيراني: واشنطن وطهران لا تريدان التورط في حرب إقليمية    بيان عاجل من حماس بشأن الصمت الدولي المريب عن تنفيذ الاحتلال ل "خطة الجنرالات"    ترحيب برلماني بمنح حوافز غير مسبوقة للصناعات.. نواب: تستهدف تقليل الضغط على العملة الصعبة    لن نشارك بأي عمل| جمال العدل: يحيى الفخراني خارج السباق الرمضاني 2024    «شوفلك واحدة غيرها».. أمين الفتوى ينصح شابا يشكو من معاملة خطيبته لوالدته    أهم علامات قبول الطاعة .. الإفتاء توضح    هبة قطب تطالب بنشر الثقافة الجنسية من الحضانة لهذا السبب    مدير مستشفى عين شمس: القضاء على الملاريا في مصر إنجاز عظيم    سائح فرنسي بعد زيارة محطة قطارات بشتيل: «إحنا متأخرين عنكم» (فيديو)    مقطع تشويقي لأغنية فيلم «دراكو رع» بصوت عبدالباسط حمودة    خالد داغر مدير مهرجان «الموسيقى العربية»: اعتذار النجوم عن حفلاتهم أربكت حساباتنا    الأردن داعيا لحظر تسليحها: مذبحة إسرائيل في شمال غزة يتوجب التعامل معها بحسم    استعدادا لرحلات السياح إلى أسوان.. رئيس هيئة السكة الحديد يتفقد محطة بشتيل    رمضان عبد المعز: الإسلام دين رحمة وليس صدام وانغلاق    أسماء مصابي حادث حي الزيتون بمدينة السادات في المنوفية    مصطفى شلبي يعتدي بالضرب على أحد منظمي مباراة الزمالك وبيراميدز (فيديو خاص)    للوقاية من أمراض القلب وتصلب الشرايين.. 6 نصائح عليك اتباعها    التربية والتعليم توضح الفئات المسموح لها دخول امتحانات الثانوية العامة بنظاميها القديم والجديد    تموين الإسكندرية تكثف حملاتها الرقابية على محطات تموين السيارات    مستشار وزير الصحة: نشهد تحسنا بين معدل النمو السكاني والاقتصادي    ريفالدو يُقيم أداء برشلونة مع فليك وفرص الفوز بلقب الدوري الإسباني    مجلس جامعة الفيوم يوافق على 60 رسالة ماجستير ودكتوراه بالدراسات العليا    فريق القسطرة القلبية بمستشفى الزقازيق ينجح في إنقاذ حياة 3 مرضى بعد توقف عضلة القلب    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    المجلس الوطنى الفلسطينى:انتهاكات المستوطنين باقتحام الأقصى إرهاب منظم    وزير الصحة اليوناني: مستعدون لاستضافة المزيد من المرضى الفلسطينيين تخفيفا لهذه الأزمة    القبض على عاطل هارب من إعدام وآخر مطلوب للتنفيذ عليه في 8 أحكام تزوير بالدقهلية    مفيش فرامل.. إصابة 4 أشخاص صدمتهم سيارة ميكروباص ب شبين القناطر في القليوبية    محمد النني يرحب بأندية كأس السوبر المصري سنة 2024 في الإمارات    تمارين صباحية لتعزيز النشاط والطاقة.. ابدأ يومك صح    إعلام إسرائيلي: سماع دوي انفجارات عدة في الجليل الغربي    ندب الدكتور حداد سعيد لوظيفة رئيس جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء    رئيس جهاز مدينة بدر: ضرورة الانتهاء من المشروعات في التوقيتات المحددة    جامعة الزقازيق تعقد ورشة عمل حول كيفية التقدم لبرنامج «رواد وعلماء مصر»    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    تكاليف السولار تضيف 1.5 مليار جنيه لأعباء السكك الحديدية    هاتريك ميسي يقود إنتر ميامي لرقم قياسي في الدوري الأمريكي    جثة شاب ملقاة بجرجا وآثار طعنات غامضة تثير الرعب.. البحث جارٍ عن القاتل    ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هويتنا فى خطر

أحيانا نعيش حياتنا دون أن ندرك حقيقة الحياة، ونغرق فى تفاصيل كثيرة تنسينا المعنى. وقضية الإنسان تبدأ من تشكيل شخصيته وهويته وملامح وجوده، قصة لا يكتبها الإنسان بمفرده بل يشارك المجتمع الصغير والكبير بكل مفرداته فى تشكيل إنسانيتنا، وبقدر ما يكون هناك تأثير قوى من المجتمع المحيط بقدر ما يكون التشكيل.
ونحن فى بيوتنا ننظر إلى التعليم هو المقرر الدراسى فنسعى أن يحفظ أولادنا الكتاب المدرسي، ولكن هذا ليس تعليماً بل تلقين. ونعانى الآن فقرا فى الهوية وانحدارا فى الإنسانية، وننظر إلى العصور الماضية ونقول كان فى عصورنا أدباء كثيرون وفنانون وسياسيون وفلاسفة فلماذا نعانى الآن حالة الفقر الإنساني؟ وندرة المواهب هذا جاء نتيجة تربية خاطئة فى البيوت والمدارس والجامعات، وانحسار دور الإعلام والثقافة والفن، وفقدان رؤية بناء الإنسان المصري.
فإذا سألنا الكثير من شبابنا من تكون؟ قد لا يستطيع أن يجيب، بل نادرا ما تجد منهم من يعرف ماذا فعل أجدادنا وأهمية حضارتهم. فقد تمزعت الهوية بين هوية دينية وأقلية وثقافات مدفوعة الأجر وثقافات غربية، دون أن يدرك ماذا تعنى الهوية المصرية التى كانت مميزة عبر التاريخ، ولم يستطع أى من الغزاة سحق هويتنا بل كان كل من عاش فى وسطنا يصير مصريا فالبطالمة والرومان والعرب الذين عاشوا فى وسطنا صاروا مصريين. ولكن نستطيع أن نرصد الآن بعض تشويه فى الهوية إما قصدا أو جهلا أو تجاهلا.
فالآباء والأمهات هم المسئولون عن الأساس الذى تبنى عليه الشخصية الإنسانية حتى وإن كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية فيها خلل. فقد جاء يوما إلى إحدى الأمهات ورقة من مدرسة ابنها بعد ثلاثة أشهر فقط فى الدراسة أن ابنها ضعيف العقل ولا فائدة من تعليمه فهو كثير النسيان مشتت لذلك طرد من المدرسة ورجع إلى أمه بهذه الرسالة وحين قرأتها الأم أخذت هى تعلمه.
وكانت أمه تقوم بتدريسه بجانب أنه عمل فى بيع الجرائد فى محطات القطار. وفى سن الثانية عشرة أصيب بصمم جزئى لأن عمال القطارات كانوا يجرونه من أذنه بعنف. ولكن كانت الأم هى البيئة التعويضية التى جعلت من هذا الطفل هو أديسون من أعظم علماء العصر الحديث (1847- 1931) وقد سجل ألفا ومائتى اختراع.
وما نراه فى أيامنا من ضعف البناء الإنسانى راجع إلى عدم اهتمامنا بالإنسان نفسه فقد نكون مهتمين بوضع خطط اقتصادية ومشاريع كبيرة وهذا رائع ومهم ولكن نريد خطة متكاملة لبناء الإنسان وتثقيفه وتنويره وبث الهوية المصرية فى كل جوانب التربية.
المفكر الفرنسى جان جاك روسو (1712) نال جائزة على بحث كان هو نقطة الانطلاق لفكره وفلسفته كان موضوعه «الإنسان صالح بطبيعته والمؤسسات الاجتماعية هى التى أفسدته». وذلك لأن روسو نفسه كان ضحية المؤسسات التى لم تبن الإنسان فقد توفيت أمه وكان أبوه قاسياً وقد سلمه إلى حفار ليتعلم مهنته وكان قاسياً حتى هرب منه. وبالرغم من نجاحه فيما بعد إلا أن هذه المرحلة من تكوين شخصيته تركت فيه علامة نفسية حتى إنه أصيب بالشيزوفرينيا.
وكم من أطفال يولدون كل يوم ولم يجدوا سوى القساوة فى التربية أو عدم الحب أو يتركوا فريسة لمعلمين بلا خبرة تربوية وبيوت كل ما فيها جدران وطعام فيخرج الطفل مشوه الملامح الداخلية وإما يعيش ولا يدرك لماذا يعيش أو تتلقفه أفكار منحرفة تحوله إلى كائن مسخ ينفذ إرادة شريرة فى تحطيم المجتمع. فحين تخرج الشجرة بلا راع قد تكون ثمارها مريضة أو ينبت فيها الشوك ليخنقها لأنها لم تجد الأيدى التى ترعى وجودها.
والموضوع لا يتوقف عن الانحراف الشخصى بل قد تكون آثاره مدمرة لكل المجتمع فيقول موسولينى زعيم إيطاليا فى الحرب العالمية الثانية فى مذكراته إنه كان يعيش طفولة يائسة فقد كان أبوه رجلا بلا قلب يعود آخر الليل مخموراً يظل يضربه وأمه بطريقة وحشية. وذات يوم أراد أن يأخذ موقفا من استبداده وشراسته فوقف خلف الباب ينتظر مجيئه ليلاً ممسكاً بعصاة ليضرب بها أباه حين يأتي، وحين فتح الأب الباب وقعت عيناه على ابنه موسولينى وهو ممسكا بالعصا فقال له بلهجة خشنة: ما هذا الذى فى يدك؟ فقال له: إنها العصا التى أحضرتها كى تضربنى بها دون أن تتعب فى البحث عنها. فقال له الأب: لا اتركها لا أريد ضربك الآن. ونرى ما الذى حدث بعد، صار هذا الطفل موسولينى أحد الذين سفكوا الدماء فى الحروب بوحشية قاسية.
إننا نعانى كل يوم من أشكال غريبة على مجتمعنا دون أن يفكر المجتمع بمؤسساته عن أسباب هذه الصور وكيف صار أولادنا بهذه الصورة. إننا نتغنى دائماً بأننا شعب صاحب حضارة آلاف السنين ولكن ما يحدث الآن لا يمت للحضارة بصلة، ونردد كثيرا أننا شعب متدين بطبعه بينما نرى الانحرافات كثيرة والآداب العامة أصبحت على المحك، يخرج من الجامعة مئات الآلاف كل سنة، بينما لا نرى عالما واحدا كل عشر سنوات. إننا نحتاج إلى وقفة حقيقية ودعوة لكل علماء الاجتماع لتحديد هوية الشخصية المصرية وكيف يتم تحقيقها عبر أجهزة الدولة من تعليم وثقافة وفكر وعمل توعية مجتمعية للأسرة لكيفية التعامل والتربية لأولادنا.
أشعر بأننا نعيش مرحلة مهمة تتغير فيها صور كثيرة تجعل مصر تعود إلى حالة الاستنارة والتنوير. نحتاج إلى أن يعود للمجتمع روح حضارة مصر وتأكيد هويتنا المصرية فى الثقافة والفكر والإعلام والتربية، فتحدث حالة الحراك الفكرى بين المثقفين، فنرى شعراء وفلاسفة ومفكرين يستطيعون أن يعيدوا الهوية المصرية للمجتمع الذى صار يعانى التشتت والتيه وضعف الانتماء لثقافة أو روح خاصة بمصر التى لها سمات أثرت فى عقل ووجدان كل المنطقة وقادت شعوبا للحرية وعقولا للاستنارة.
كاهن كنيسة المغارة الشهيرة
بأبى سرجة الأثرية
لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.