هذا المقال هو محاولة لتوظيف مفاهيم الاقتصاد التشاركي, فى التعامل مع قضية حيوية مثل قضية التعليم، فالتعليم هو مفتاح التقدم الاقتصادى والاجتماعى والبيئى ومستقبل التعليم هو واحد من أكثر الموضوعات مناقشة فى العالم، والحكومات فى جميع أنحاء العالم تتطلع إلى تحسين انظمتها التعليمية. وكما خطتت طبقا للاقتصاد التشاركي، مجالات من الفرص غير المستغلة التى تخدم أغراضا اجتماعية، فقد تعاملت مع واحدة من اهم مشاكل التعليم وهى جودة التعلم والمواد التعليمية، وظهرت تجارب شكلت علامات فارقة وحلولا ابداعية غير مسبوقة فى تاريخ التعليم، فقد وظفت مثلاً ما أطلقت عليه منظمة اليونسكو عام 2002 «المصادر التعليمية المفتوحة» وربطت الموارد التعليمية والمؤلف من خلال وسيط تكنولوجي, وهو الانترنت، مباشرة مع المستخدم، وبشكل مفتوح ومجاني، وأصبحت بذلك الإنترنت القناة الأكثر احتواء لمشاركة الاشياء وتبادل وتداول العملة الأكثر قيمة فى العالم: وهى المعلومات. انفجرت معدلات إطلاق التطبيقات فى العقد الاخير، وأصبح توظيف موارد التعليم المفتوحة هى سبيل الاقتصاد التشاركى الأول لتعزيز العملية التعليمية.واستفاد من انتاج وتبادل الموارد التعليمية المفتوحة على الانترنت والترخيص بإعادة استخدامها والتحسين المستمر بها من قبل الآخرين لأغراض تعليمية. فأسس عام 2006، محلل النظم خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا, سلمان خان، «أكاديمية خان للتعليم» لتقدم مواد تعليمية فى الرياضيات والعلوم وبرمجة الكمبيوتر والتاريخ والاقتصاد، وحتى رياض الأطفال، وتمكن المتعلمين للدراسة على وتيرتهم. وخلافا لشركات وادى السليكون من نفس الجيل، أكاديمية خان لا تهدف للربح، ولا تمولها بنوك او مستثمرون بل يمولها متبرعون وخدماتها مجانية. وكان من الممكن أن يبدأ خان الاكاديمية كواحدة من الشركات العادية الهادفة للربح مثل جوجل، لكن سيطرت عليه فكرة مساعدة الأخرين، وتأسيس شركة لها «ضمير»، أكاديمية خان اليوم تحل محل الدروس الخصوصية فى دول كثيرة وتركز علي التعليم الحرب دون تكلفة.ويستخدمها اكثر من 100 مليون طالب فى العام، ويتناوبون على حل أكثر من 750 مليون مسألة رياضية, ب 24 لغة مختلفة, جامعة استنافورد الامريكية درست آثر متابعة المناهج على موقع الاكاديمية لعدد من الطلبة واتضح انه رفع نسب النجاح بينهم بمعدل 1.8 مرة عن الطلاب الذين لا يتابعون دروسهم. تحسين الوصول للمواد التعليمية الجامعية كانت قضية لمؤسسة اخري, كلية أوبنستاكس بجامعة Rice بولايه هيوستن، والتى قامت بنشر أول كتاب جامعى مرخص على الانترنت عام 2012، وتوسعت لأكثر من 20 كتابا ودورات مصممة لتحسين نتائج التعلم عبر مسارات تعليمية شخصية يستفيد منها مئات الآلاف من الطلاب. وكسرت الحواجز التقليدية لبيع الكتاب الجامعى والدورات,ومكنت الطلاب من الوصول لافضل المواد مباشرة عبر شراكات وتحالفات مع المؤسسات الخيرية وشركات الموارد التعليمية، قدرت الوفورات التى حققها الطلاب فقط لأول كتابين عام 2012 الى مليونى دولار، ارتفعت ل30 مليون دولار عام 2015 وهى اموال وفرتها على الطلاب وأولياء الامور. مستقبل التعليم فى القرن الحادى والعشرين ليس فى مجرد الوصول إلى المزيد من الناس، بل فى تحسين نوعية وتنوع الفرص التعليمية. وأفضل طرق تطوير التعليم والتعلم تكمن فى الخيال والإبداع والابتكار، ونماذج الاقتصاد التشاركى بالآلاف ولا يمكن حصر ادوارها، وهى آخذة فى إحداث ثورة فى المجتمعات الفقيرة والغنية معاً، فالحكومات لم تعد قادرة على تلبية احتياجات المجتمعات من صحة واسكان وتعليم حديث ذى جودة عالية وبكلفة معقولة، وهناك دراسات امريكية تظهر تضاعف تكلفة ومصاريف التعليم الحكومى والخاص عدة مرات فى العقود الثلاثة الاخيرة. لقد دعانى البنك الدولى لمقره الرئيسى العام الماضي, للمشاركة فى سلسلة جلسات خبراء لمناقشة تهيئة بيئة الأعمال ودور الحكومات فى دعم الجيل الجديدة من المشروعات الصغيرة والاقتصاديات الجديدة، وكان الحضور يشمل خبراء عالميين واعضاء من الكونجرس الامريكى ومؤسسى بعض التطبيقات، وانتهى النقاش على ان الحكومات عليها التفاعل مع هذا النوع من الاقتصاد بشكل مبدع، وأن تغير دورها وسياستها تجاهه، وتركز على دور المشرع والمنظم، وفى التعليم يمكن للحكومات العمل على تمكين الطلاب من هذه التطبيقات ومراقبة الجودة والمحتوي، وتنظيم الشراكات والتحالفات, والقطاع الخاص أيضا له دور، ف «بل جيت» تبرع لأكاديمية خان ب 100 مليون دولار، ويمكن قيام رجال اعمال دعم تطبيقات مناسبة للتعليم فى مجتمعاتهم، وبالتأكيد توظيف تطبيقات مثل اكاديمية خان فى مصر سوف يوفر على المصريين مليارات الجنيهات، ويرفع مستوى الطلاب ويدخل بهم عصراً جديداً, وهذه هى روح الاقتصاد التشاركي. وفكرته فى كلمة واحدة هى الانتقال من «لى وحدي» و(الأنا) إلى «نحن جميعاً»، وآثار هذه الكلمة مباشرة وتطبيقاتها فى قطاعات اقتصادية غيرت اشياء كثيرة فى دول العالم. لمزيد من مقالات عاطف الشبراوى