مفتى الجمهورية تحيط بالإنسان أحوال سارة محببة إلى نفسه تتضاعف فيها فرحته وسروره وتزيده بهجة على بهجة، خاصة تلك المناسبات التي فيها تعميم الخير وإظهار الشكر لله تعالى على عظيم فضله ومزيد إحسانه. ومن أعظم هذه المناسبات والأيام يوما الفطر والأضحى اللذان سنَّهما النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بجانب عيدهم الأسبوعي وهو يوم الجمعة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر”(سنن أبي داود/ 1134).ويُلاحَظ أن الشكر والثناء على المُنْعم جلَّ جلاله عامل مشترك في هذين اليومين المباركَيْن؛ فإن عيد الفطر فيه الشكر والثناء على أداء ركن من أركان الإسلام الخمسة، مزامنة مع الفرحة المصحوبة باليقين في الحصول على جزيل الأجر وحسن الجزاء من الكريم المتعال، فضلا عن كون ليلته تسمى بليلة الجائزة لما يعقبها في صباحها من توزيع الأجور، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ”.ويأتي عيد النحر مع فريضة الحج، التي نال أهل الموقف من الحجاج فيها الرحمة والمغفرة حتى إنهم حين يرجعون إلى أوطانهم وأهليهم يرجعون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، مع سمو الأرواح وطيب النفوس وحصول عظيم الأجر وإجابة الدعوات ونيل الرغبات، وهنيئا لهم فهم وفد الله وضيوفه. حقًّا إنَّ هذين اليومين يجمعان للمسلم الفرحة التامة والبهجة الكاملة روحيًّا وحسيًّا؛ فقد سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم للمسلم اتخاذ الزينة ولبس أحسن الثياب وجديدها والاغتسال والتطيب بالروائح الزكية، وإظهار السرور والترويح عن النفوس باللهو واللعب مع مراعاة الآداب، كما يطلب من المسلم في يوم العيد أن يؤدي شعائره المخصوصة به، التي تبدأ بالاجتماع مع إخوانه من المسلمين على اختلاف طبقاتهم في مكان واحد يهللون الله تعالى ويشكرونه على نعمه، ثم يؤدون صلاة العيد ويستمعون إلى الخطبة، فضلا عن مطالبة المسلمين بأن يشاركوا بعضهم بعضًا هذه الفرحة بالتهنئة وإدخال السرور والتزاور بين الجيران والأرحام، والتوسعة على الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال:”إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته، أو كسوت عريه، أو قضيت له حاجة”.ويختص عيد الأضحى بمزية خاصة حيث يطلب من المسلم اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يذبح في أيام النحر تقربًا إلى الله تعالى وفق شرائط مخصوصة، وهي شعيرة الأضحية التي يفوت المسلمَ خير كبير بتركها إذا كان قادرا على القيام بها، فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:”ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فَطِيبوا بها نفسًا”(سنن الترمذي/ 1493). لا ريب أن تشريع الأعياد والاحتفاء بالمناسبات تُعَدُّ مواسم مباركة يودع فيه الإنسان همومه وأحزانه، ويروِّح فيها عن نفسه المجهدة من مكابدة الحياة ومتاعبها، وهي تمثل أيضًا مناسبات جليلة يزداد فيها التراحم والتواصل ماديًّا ومعنويًّا، كما أنها تؤكد تحوط المسلم بالفسحة والتيسير في دينه ودنياه أبدًا، والتلذذ بالمباحات مع صفاء النفس وسريان روح المحبة والتآخي وتحريك المشاعر بالشفقة والرحمة ونشر الحب وتعميم المودة، فضلا عن اتخاذها مناسبة حقيقية لشكر الله تعالى على نعمه ومراجعة صادقة مع النفس وعادة متكررة لغذاء القلوب والأرواح. وكل عام ومصر والأمة العربية والإسلامية في رخاء ووئام وأمن وسلام. لمزيد من مقالات د شوقى علام ;