فى ظل الارتفاع الملحوظ للأسعار، جراء الإجراءات الاقتصادية التى اضطرت إليها الدولة أخيرا، زادت معاناة بعض فئات المجتمع، وبات كثير من ذوى الدخول عاجزين عن الوفاء بمتطلباتهم الأساسية والضرورية أحيانا، ما ضاعف من دور ومسئولية الأغنياء والموسرين تجاه الفقراء والمحتاجين. وعلينا أن نسأل أنفسنا: ما هو واجبنا تجاه هؤلاء وغيرهم، ممن نحسبهم أغنياء من التعفف؟ وأين نحن من التكافل الذى دعانا إليه الإسلام؟ صحيح أن الغلاء طال الجميع وسُمِعت الشكوى من بعض المحسوبين على الأغنياء، لكن إذا سأل كل من هؤلاء نفسه: إذا كان هذا حالنا .. فما بال حال الفقراء ومحدودى الدخل! علماء الدين يؤكدون أن التكافل الاجتماعى فى الإسلام، يقوم على بناء فكرى متكامل، له أساسه من العقيدة والمنظومة الأخلاقية الإسلامية، ويمثل فكرة متقدمة، تتجاوز مجرد التعاون بين الناس، أو تقديم أوجه المساعدة وقت الضعف والحاجة، والتزام القادر من أفراد المجتمع تجاه أفراده, قال تعالى فى وصف المؤمنين الصالحين: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (9) سورة الحشر . ويوضح الدكتور محمد عبد رب النبي، مستشار الفقه وأصوله بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أننا لسنا بحاجة إلى إجراءات اقتصادية أو أزمات حتى نتذكر إخواننا المحتاجين، ونمد لهم يد العون والمساعدة، فالإسلام دين التكافل والرحمة. ذلك أن التعاون والتكافل فرض من فروض الكفاية، وفروض الكفايات هى كل أمر يتعلق بالمصالح العامة فى الأمة، ويبدأ تحقيق المصالح العامة من دفع الضرورات وسد الحاجات. ودفع الضرورات أول معالمه سد الجوعى وستر العورة والإيواء (توفير المسكن)، امتثالا لقوله تعالى «إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي»، فضلا عن تهيئة الأمر للفقير ليكون صاحب حرفة. وكما قال الإمام أبو حنيفة إن حق الفقير على الغنى أن يكفله طعاما وشرابا وكساء وتعليما. ولقد دعا الإسلام إلى التكافل فى أكثر من موضع، فقال النبى صلى الله عليه وسلم «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّي». وقال أيضا «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا» وأكد أن الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه. من جانبه يوضح الدكتور ناصر محمود وهدان، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة العريش، أنه فى ظل الظروف التى تمر بها أمتنا الآن علينا أن ننتهزها فرصة لنؤدى شيئا من واجبنا ونحيى بعضا مما تلاشى من أخلاقيات وسلوكيات حث عليها الإسلام لإصلاح الحياة وبناء الأمة، ومن تلك الأخلاقيات، خلق التكافل. فالتكافل يدعونا لتفعيل فريضة الزكاة (الركن الثالث للإسلام) وإخراج النصاب الذى أمرت به الشريعة وجوبا لا تفضلا أو اختيارا فضلا عن الصدقات وما أوسع أبوابها وأعظم فضائلها. وأضاف: إن آفة هذا الزمان انتشار الأنانية، وبات كل واحد لا يعبأ بأحد سوى نفسه فقط، حتى أقرباؤه وأرحامه فضلا عن جيرانه وزملائه لا يعرف عنهم شيئا ولا يشغله حالهم، محتاجين أم مستورين، والمؤسف أنك إذا سألت أحدا عن اسم جاره الأول الملاصق لشقته أو المقابل لها، لا يعرف، فكيف يعرف شيئا عن حاله، إن كان جوعان أم شبعان، مريضا أم صحيحا.. وأين نحن من حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» وأين نحن من وصية جبريل للنبى كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. وأكد وهدان أن تعاظم الظروف الاقتصادية يقتضى منا شيئين، الأول الاقتصاد وعدم الإسراف، وهذا مطلب شرعي، فى السعة والضيق فى الشدة والرخاء، بالحفاظ على النعمة وحسن استخدامها دون إسراف أو إتلاف. والأمر الثانى التوسع فى مد يد العون والمساعدة للمعوزين والمحتاجين. فالظروف الاقتصادية وإن كانت قاسية فى ظاهرها، فإنها يجب أن تكون فرصة عظيمة لإحياء القيم والعادات الأصيلة كالجود والكرم والعطاء والإيثار وصلة الرحم، فالشدائد دائما تظهر معادن الناس، وما أعظمه الشعب المصرى من طهارة معدنه وأصالة أبنائه. صور التكافل وأشار إلى أن التكافل نوعان: مادى ومعنوي، ومن وسائل التكافل المعنوي: النصيحة والدعوة والتعليم والتوجيه والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أما التكافل المادى فيتحقق بوسائل عدة منها: الزكاة المفروضة، زكاة الفطر، الكفارات، الوقف، الوصية، الهدية والهبة. فضلا عن الصدقات، وهذا مما لا حد له، وما أكثر أبوابها. فلينظر كل منا فى محيطه، فى أسرته وذوى رحمه أولا لقوله صلى الله عليه وسلم «الأقربون أولى بالمعروف»، ثم جيرانه وأصدقائه وزملائه، فإن كان لأحدهم حاجة سارع إلى المساهمة فى قضائها أولا، ولا ننسى من نحسبهم أغنياء من التعفف، وما زاد على ذلك فيمكن توجيهه إلى المستشفيات والجمعيات الخيرية الموثوق بها، ونحو ذلك امتثالا لقول النبى صلى الله عليه وسلم من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد لهب. ولم تقتصر عناية الإسلام بالفقراء والمحتاجين المسلمين فحسب، بل يمتد هذا التكافل إلى غير المسلم أيضا امتثالا لقوله تعالى «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».