عندما أراد عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين دراسة الجغرافيا، صنع له مجسمات لخريطة العالم مكنته من محاكات واقعه المختلف، ولم تقف إعاقته أمام إرادته، ولكن اليوم ونحن فى عصر العلم يمنع «ذوو الإعاقة البصرية» من دخول بعض الأقسام الأدبية فى كل كليات مصر. استقبلت صفحة «صناع التحدى» الكثير من الشكاوى لطلبة «مكفوفين» يعانون انتهاكا واضحا لحقوقهم، ومنها حقهم في التعليم باعتباره من الحقوق الأساسية التي كفلتها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتتضمن الشكاوى تحديد أقسام معينة يحظر على المكفوفين دخولها. وللوقوف على حقيقة هذه الشكاوى قمنا بزيارة جامعة عين شمس، فوجدنا أنه لا يزال العديد من أقسام كلية الآداب تغلق أبوابها فى وجههم، حيث تم منع المكفوفين من دخول 14 قسما ( العبرى - اللغات الشرقية - الحضارة الأوروبية – الجغرافيا - علم النفس - الآثار بشعبها الثلاث الإسلامية واليونانية والمصرية - الإرشاد السياحى - الإرشاد الفرنسى - علوم الاتصال والإعلام - المكتبات المعلومات - الدراما - النقد المسرحى ). ووجدنا أن الأقسام المتاحة للمكفوفين بهذه الكلية 5 فقط ( اللغة العربية – الانجليزي – الفرنسي – التاريخ - علم الاجتماع ) وبذلك فهم يحرمون من فرصة دخول أحد عشر قسما فى مقابل إتاحه خمسة أقسام فقط. وبعد تدخل من النائبة الدكتورة هبة هجرس ومخاطبتها للدكتورة سوزان القلينى عميدة الكلية واعتراضها على هذا التمييز الواضح الذى يخالف الدستور والقانون، أعلنت كلية الآداب جامعة عين شمس فى بيان لها أنه سوف يتم عرض هذا الأمر على مجلس الكلية للعام الجامعى 2017- 2018، وفى حال الموافقة سوف تتم إتاحة جميع أقسام الكلية المختلفة للمكفوفين. وانتقلنا إلى كلية الآداب بجامعة حلوان فوجدنا أن الأقسام الممنوعة على المكفوفين ( اللغات الشرقية - علم الاجتماع - علم النفس). وفى كلية الآداب جامعة سوهاج تم منع دخول المكفوفين من 18 قسما وإتاحة 4 أقسام فقط هى (الدراسات الإسلامية - لغة عربية – تاريخ – فلسفة). أما كلية الألسن بجامعة عين شمس فهى تتيح للمكفوفين أقسام ( اللغة الإنجليزية -الايطالى – الاسبانى، وأخيرا تم فتح قسمى التشيكى والروسى) وتمنع باقى أقسامها عنهم. وتسمح كلية التربية النوعية بجامعة عين شمس أيضا للمكفوفين الالتحاق بقسم التربية الموسيقية فقط، وترفض دخولهم قسمى التربية الرياضية والفنية. وخلال جولتنا فى بعض الكليات وجدنا أن أبرز الصعوبات التى تواجه المكفوفين عند التحاقهم بالجامعة تتلخص فى مشكلتين، الأولى تتعلق بالتوزيع الجغرافى، فالطالب الحاصل على الثانوية العامة من دمياط، لا يحق له الالتحاق بكلية الألسن جامعة عين شمس، لأن التوزيع الجغرافى الأقرب يقر دخوله جامعة كفر الشيخ، فى حين أنه ليس بها كلية ألسن. والمشكلة الثانية هى التنسيق الإلكترونى، فهذا التنسيق لا يمكن المكفوفين من دخول الكليات التى يحلمون بها، لأنه يتعامل معهم طبقا للمجموع الكلى، فى حين أن قانون المجلس الأعلى للجامعات يقرر حق الطالب الكفيف فى الالتحاق بالكليات الخمس المقررة له وهى (الألسن والآداب والحقوق ودار العلوم والخدمة الاجتماعية ) فى حالة حصوله على مجموع 50٪، مما يستوجب تعديل التنسيق الإلكتروني للطلاب المكفوفين. تنسيق المكفوفين ويقول محمد أبوطالب – كفيف ومدرب كمبيوتر بمركز نور البصيرة بجامعة سوهاج-، مع بداية كل عام جامعي، يصدر قرار من المجلس الأعلى للجامعات بالكليات التي يستثنى المكفوفين فيها من بند سلامة الحواس المتعلق بالالتحاق بالتعليم الجامعي والسماح لهم بالالتحاق بمجموع 50% وهو تنسيق إقليمي داخلي بكل جامعة، وليس بشكل رسمي أو حتى إلكتروني، ويصدر القرار بالسماح للكفيف بدخول خمس كليات وهي الآداب، الحقوق، الألسن، دار العلوم، الخدمة الإجتماعية، على أن تترك للكليات تحديد الأقسام المناسبة التي تناسب المكفوفين حسب طبيعة كل قسم وما تسمح به هذه الكليات بما يعني أنه ليس من حق الكفيف أصلا الالتحاق بالتعليم الجامعي إن لم يصدر هذا القرار كل عام. وأضاف، كانت وما زالت كلية الآداب بجامعة سوهاج هي الملاذ الوحيد لمكفوفى سوهاج للالتحاق بالتعليم الجامعي على الرغم من فتح كليات مثل الحقوق والألسن أخيرا نظرا، لأنها أصبحت عرفا متبعا لدى الطلاب المكفوفين، فمع بداية كل عام دراسي تضع الكلية الأقسام التي يسمح للمكفوفين بدخولها وهي اللغة العربية، الدراسات الإسلامية، التاريخ وأحيانا يتم فتح قسم الفلسفة أو علم الاجتماع للمكفوفين المسيحيين، بعد تجاوز المكفوفين كشفا طبيا خاصا بهم، بمعرفة كلية الطب بالجامعة للوقوف على أمكانية الكفيف الالتحاق بالكلية وفق هذا الاستثناء، وهنا أتساءل إذا كان الكفيف خريج مدرسة النور للمكفوفين، فما الداعي من هذا الكشف الطبى؟ الدستور ( المادة 81) تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.